الغرض من التصنيف هو العرض ليكون ميزانًا مميزًا كما يصفه لا شيء آخر من أغراض نحو الدّنْيا (فتميز) بالنصب عطف على يعرض أو رفع جواب لمحذوف أي إذا عرض كل سالك عليها فيتميز أي يميز ذلك السالك (المصيب) في عمله (عن المخطئ) لتبين ماهية كل من الصواب والخطاء وأحكامهما فيها وهذا أولى من التفسير بالمطابقة والمخالفة هذا بحسب الدنيا وأما قوله (والناجي) من الفوز والنجاة (من الهالك) فبحسب الآخرة ولهذا قدمهما عليهما فكل مصيب ناج كما أن كل غطئ هالك (ورتبته) أي الذي اسمه الطريقة المحمدية وتذكير الضمير لإرادة الإسم استخدامًا كما أشير وتأنيثه فيما يعرض عليها لإرادة المعنى الوصفي هناك والأولى تذكيره هناك أيضًا لعل الغرض لكونه حال المعنى اعتبر هذا الجانب (على ثلاثة أبواب) الظاهرة من سوق ما تقدم أن يجعل الباب أربعة في الاعتقاد والأقوال والأخلاق والأعمال لكن لما كان نظره على نحو آخر لم يراع وفق السياق ثم إن أريد إرجاع ضمير رتبته إلى نفس الكتاب فمن قبيل تقسيم الكل إلى أجزائه وأن إلى نحو ما يتضمنه الكتاب فمن تقسيم الكلي إلى جزيئاته لأنه على الأول مجرد تحليل وعلى الثاني يحمل كل فرد من مسائله على المقسم وبالعكس (متوكلًا على رب الأرباب) حال من فاعل رتبته أي معتمدًا على مالك المالكين ومن فسره بإله الآلهة لم يحسن ولما كان هذا التصنيف أمرًا عظيمًا يستبعد حصوله بقوة نفسه وموهمًا للعجب رجع إلى الله تعالى مفوضًا حصوله إليه مشيرًا أن حصوله ليس بطاقته بل بتوفيقه تعالى ومنبهًا إلى ما نقل عن بعض السلف من قوله من علامة النجح في النهايات الرجوع إلى الله تعالى في البدايات وعن آخر التوكل هو الاعتصام بالله تعالى.
وفي (١/ ٢١٤) قال: (في تصحيح الاعتقاد وتطبيقه لمذهب أهل السنة) أي أصحاب سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي التمسك بها (والجماعة) أي جماعة رسول الله وهم الأصحاب والتابعون وهم الفرقة الناجية المشار إليها في قوله - صلى الله عليه وسلم - ستفترق أمتي ثلاثًا وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل ومن هم قال الذين هم على ما أنا عليه وأصحابي قال العلامة العضد الفرقة الناجية وهم الأشاعرة لعل مراده إما تغليب أو عموم مجازًا أو ادعاء اتحادهم مع الماتريدية الذين تابعوا في الأصول كالحنفية إلى علم الهدى الشيخ أبي منصور الماتريدي وجه كونهم فرقة ناجية التزامهم كمال متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في معتقداتهم بلا تجاوز عن ظاهر نص بلا ضرورة ولا استرسال إلى عقل خلافًا لمخالفيهم كما ذكر العلامة الدواني وفي أوائل كتاب الاستحسان من التاتارخانية عن المضمرات (روى عن عليّ - رضي الله عنه - أنه قال المؤمن إذا أحب السنة والجماعة استجاب الله تعالى دعاءه وقض حوائجه وغفر له الذنوب وكتب الله له براءة من النار وبراءة من النفاق (وفي خبر عن عبد الله بن عم - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من كان على السنة والجماعة كتب الله له بكل خطوة يخطوها عشر حسنات ورفع له عشر درجات وتمامه مع تفصيله هنالك (وجملته) أي جملة مذهب أهل السنة بمعنى واحد واحد مما يكون ضروريًا بحيث يكون عدمه كفرًا أو ضلالة