أبطل هذا بعض حذّاقهم وشنّع على الغزاليّ والأشعري في قولهما سماع كلام الله الأزلي، وقال اتفقوا على أنه لا يسمع غير الصّوت وقد رجع إلينا من قال معنى سماع الكلام الأزليّ أنه معلوم بسماعنا من الشرع أن الكلام النفسيّ ثابت قلنا أيضًا لا نسلم بثبوت الكلام النفسي.
ويعود ثانية للردّ على من يثبت الرؤية قائلًا:" .. ولا عاقل يترك ما هو توحيد إلى ما يخالفه ووضعوا أحاديث منها أنه ينظر إليهم وينظرون إليه ولا يقطعون نظرهم حتى يحتجب عنهم ومنها أن أكرمهم على الله سبحانه من ينظر إليه صباحًا ومساءً ولا يعني عن مدّعي الرؤية دعوى أنها ليست على المعتاد لأن حاصلها الانكشاف وهو منزّه عنه، ولا يضرّهم الانتظار لأن ما هم فيه من النّضرة نعمة عظيمة تنفي همّ الانتظار بل جعل الله الانتظار نعمّة أخرى.
ومن الملاحظ أن المفسّر يدافع بكلّ ما لديه من حجج عقلية ونقلية عن وجهة نظر الأباضية، لا سيّما في المسائل العقائدية، فإذا وجد من يميل من غيرهم إلى آرائهم أو في وجهة نظره ما يقرب منها، جعل ذلك حجّة للخصم وتباهى به، وقد يعالج مع القضيّة الرئيسية قضايا أخرى لها علاقة بها مثلما هو الشأن في المثال السابق إذ كان يتناول بالبحث قضّية نفي الرؤية والردّ على مفسِّري الآية الكريمة حسب معناها اللغوي دون تأويل، ولكنِّه تطرَّق في نفس الوقت إلى قضيتين أخريين.
أولاهما: صفاته سبحانه وتعالى، وكلامه، وهما من القضايا الخلافيّة أيضًا.
ومن تحمّس المفسِّر لمذهبه، ودفاعه عن وجهات نظره، وانتهازه لكلّ فرصة لإثبات آرائه في قضايا مختلفة، نأخذ على سبيل المثال قضيّة الرؤية التي أشرنا إليها سابقًا، نجده يتعرّض لها في عدّة مواضع، فقد أشار إليها في تفسير قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ}[آل عمران: ٧]، كما ذكرها مع قضايا أخرى خلافية في قوله تعالى:{وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}[آل عمران: ١٠٥]، وتصدى للردّ على القائلين بالرؤية في قوله عزَّ وجلَّ:{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ}[النساء: ١٥٣] وفي تفسيره أمثلة كثيرة.
ولزيادة التوضيح نلاحظ كيف يستدلّ بقوله تعالى:{حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}[البقرة: ٥٥] على كفر من يثبت الرؤية فيقول: "والآية دليل على كفر مجيز الرؤية دنيا وأخرى، وذلك لأن إجازتها ولو في القلب إجازة لتكييفه وتكييفه ممتنع لأن فيه تشبيهًا وإدراكه بالقلب تكييف لا يتصور بدونه، فلا يصحّ قولهم: بلا كيف، وتكييفه في القلب بلا تقدير أن يكيّفه لغيره هو من نفس المحذور".
نلاحظ في الأمثلة أن المفسِّر لا يكتفي بتبيان وجهة نظر المذهب الأباضي، بل يتصدى للردّ على مخالفيه، وإذا وجد عالمًا مذهبًا يوافق الأباضية في رأي ذكره مثلما فعل عند تعرّضه لمسألة الشّفاعة في قول تعالى:{وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}[البقرة: ٤٨] يقول المفسّر في هذا الصّدد: " .. والآية دليل لنا وللمعتزلة على أن لا شفاعة لأهل الكبائر لأن الآية ولو كانت في المشركين لكنّها في