وصف يوم من شأنه أنه لا شفاعة فيه بدفع العذاب عن مستحقّه، ولا مقام أو زمان من مقامات الموقف وأزمنته نصّ على ثبوتها للفسّاق ولا لشخص مُصّر".
وينتهج نفس الأسلوب لإثبات رأي الأباضية في نفي المغفرة للموحّد المُصّر على المعصية في قوله تعالى:{لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيرًا}[الأنعام: ١٥٨] يقول المفسّر: "وفي الآية دليل لنا وللمعتزلة على أن التوحيد المقرون بالمعصية المصّر عليها لا ينفع .. " إلى أن يقول: "وهو مذهب المحدِّثين من قومنا أيضًا".
ومن دعم رأي مذهبه بذكر عالم من مذهب آخر يوافق المذهب الأباضيّ في مسألة قوله في صفات الله: " .. قال ابن العربي الأندلسيّ المالكي ما بين من يقول صفاته غيره ومن يقول أنّ الله فقير إلا تحسين العبارة".
نجد المفسّر يؤول كل آية يفهم منها التّشبيه، ويحملها على المعنى المجازيّ فمثلًا في قوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}[الرعد: ٢] يردّ على قول مجاهد وعكرمة الذين نفيا الصّفة وأثبتا العمد التي: "لا ترى وهي جيل فإن محيط بالدّنيا بعد المحيط من زمرد أخضر إذ تبقى السماوات أو يدعى أن أطرأ فهنّ كلّهن على جبل قاف ولا ندري أصح أم لا والصّواب أن العمد فرض ثبوتها هي القدرة، والقدرة لا ترى وإنّما يرى أثرها فالعمد هي قدرة الله عزَّ وجلَّ وهي واحدة ذاتية أما جمعها فتمثيل أو باعتبار تعدّد متعلّقاتها".
ومن هذا المثال نستنتج أن المفسِّر يدافع عن آراء مذهبه ولا غرو في ذلك ما دام يعتبرها هي الصحيحة، والصواب، وهذا ديدن كل مفسِّر وبل كل معتنق لمذهب أو فكرة، ومن هنا نحكم أن تفسيره هذا يمثل تمثيلًا صحيحًا وجهة نظر المذهب الأباضي، وخاصة في ما يسمّى بالأصول أو مسائل العقيدة، وممّا يلاحظ اقتصاره -أحيانًا- على عرض رأي مذهبه دون الرَّد على مخالفيه وعلى سبيل المثال في قوله تعالى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إلا لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياء: ٢٨] يسرد رأيه في الشفاعة وهو رأي الأباضية قاتلًا: "أي ارتضاه الله عزّ وجلّ أن يشفعوا له وهو من يقول لا إله إلا الله وأتبعه بالعمل الصالح ومات على غير كبيرة وشفاعتهم الاستغفار في الدنيا ويوم القيامة .. ".
ولم يقتصر المفسِّر على تبيان وجهة نظر مذهبه في المسائل العقائدية بل تناول -أيضًا- بالبحث المسائل الشرعية الأخرى غير أنه كان في هذه المسائل أكثر تفتّحًا وتحررًا باعتبارها مسائل فرعيّة، ولكن هذا لم يمنعه من تأييد آراء مذهبه وبيان حججه فلاحظه مثلًا كيف ينتقد في البداية حجّة المذهب في تحريم المسّ قبل الإطعام في الظّهار" .. قال الله تعالى في العتق والصّوم من قبل أن يتماسًا، ولم يقله في الإطعام فقيل المراد فيه أيضًا من قبل أن يتماسًا حملًا للمطلق على المقيّد وذلك مذهبنا، وعندي أن الحمل على المقيد يكون إذا كان الإطلاق والتقييد في مسألة واحدة نحو أطعم أهلك براحتيّ يشبعوا أطعمهم بُرًّا صبحًا، وقيل يجوز المسّ قبل الإطعام إذ لم يقيّد "ثم يعود لتأييد رأي مذهبه بقوله: "والأول قولنا وهو أحوط ونسب الثاني لمالك".