للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وفي صفحة (٢١٩) قال: "وأحيانًا يكون انتقاده عنيفًا يتمّ عن إيمان المفسِّر بمسائل الأباضية الأصولية واعتقاده بصحتها ونظرته هذه نابعة -أيضًا- من إيمانه أن الحقّ في الأصول مع واحد وغيره مخطئ بينما الحقّ في الفروع مع واحد فقط، وقد يخطئ الباقون ولا إثم على المخطئ، وهو رأي المذهب الأباضي في هذه القضية، ولا عجب -إذن- إذا وجدناه ينتقد آراء غيره في الأصول ويخطئها، ويدعو إلى اعتقاد آراء مذهبه، ولذلك نجده يستنكر الخلاف في الأصول قائلًا: "في تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران: ١٠٥] "وكالقائلين في هذه الأمة الأجابيّة بما لا يجوز الخلاف في نفيه كرؤية البارئ، وكون صفات غيره، وإثبات الجوارح بلا كيف" ولكنّه يجيز الخلاف في الفروع ويتجلّى ذلك في قوله: " .. وأما الاختلاف فيما يجوز فيه من الفروع للمجتهدين من الصحابة ومن بعدهم فلا بأس به بل هو رحمة" ولكننا لا نجد تفسيرًا لقوله: "وقومنا يفسدون جمعتهم برفع الأيدي وأخذ الأيمن على الشمال لأحاديث وضعها أوائلهم أو غيرهم وهب أنّها صحت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن ذلك لداع مثل أن يقع صلاح من تأبطة للشر، وهل صحّ أنه أدام - صلى الله عليه وسلم - ذلك كما يدعيه هؤلاء، ولو أدامه لشهر ولم يختلف فيه وكذا يفسدون سائر صلواتهم".

فإذا أجاز المفسر -كما رأينا سابقًا- الاختلاف في الفروع فلا يمكن الحكم على فساد الصلاة برفع الأيدي والقبض اللهم إلا إذا تحقق عدم صحّة الأحاديث الواردة في الموضوع ويتطلب ذلك دراسة تسلّط على هذه الأحاديث مقاييس التحقيق لمعرفة مدى صحتها أو ضعفها، وربما حكمه هذا صادر على استنكاره لذلك لا غير فلعلّ أقصى حكم أصدره في حق مخالفي المذهب الأباضي كان في قوله تعالى: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة: ٥٥] والأية دليل على كفر مجيز الرؤلة دنيا وأخرى، وذلك لأن إجازتها ولو في القلب إجازة لتكييفه، وتكييفه ممتنع لأن فيه تشبيه، وإدراكه بالقلب تكييف لا يتصور بدونه فلا يصحّ قولهم بلا كيف وتكييفه في القلب بلا تقدير أن يكيفه لغيره هو من نفس المحذور" ويرى في موضع آخر ردًّا على من يفسّر الآية الكريمة {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس: ٣] على ظاهرها، مع القول بلا كيف فإنه دخول في الظلمة بعد وجود النور ويمضي في تفنيد هذا الاعتقاد، وإثبات عدم إمكانية ذلك وقد تعرّض لهذه المسألة في سورة الأعراف بتفصيل أكثر ومما ورد فيها قوله: آرائهم وحججهم ثم يتصدَّى للرّد عنها، وتفنيدها لاحظ ذلك مثلًا في تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨)} [النجم: ١٨] فنجده يسرد أحاديث رواها السيوطي عن الرؤية ثم يناقشها محاولًا تفسيرها بنفي الرؤية، أو يتحمل وضعها وينهي ردّة بقوله: " .. وحجج إثبات الرؤية والتأويل إليها، وحجج خلق الفاعل فعله، وحججه المجبرة واهية متكلفات كما هو شأن العاجز، شبيهة بتعمد العناد ثم يذكر ما روي عن أحمد بن حنبل: "أنه سئل عن الرؤية قال: "رآه رآه رآه حتى ينقطع نفسه عنادًا وعجزًا وذلك ليلة الإسراء أو قال: يرا، يرا يراه، وذلك في السنّة".

ويسوق في كثير من الحالات حججهم