وردودهم بغية تفنيدها: انظر في المثال التالي كيف يسفّه هذه الحجج بقوله: " .. ولقومنا هذا تخاليط تؤدي إلى التشبيه يردّها المبتدئ المعتقد، أنه لا يشبه شيء ولا يشبه شيئًا فيفتضحون ويقولون بلا كيف كقولهم ناداه بكلامه القديم الذي لا صوت فيه، وقولهم بالتخلي له بما شاء حتى سمع كلامه بصوت، ومن وجبت مخالفته للحوادث سبحانه وتعالى وجب أن لا تحسّه الحوادث بأُدُن ولا عين ولا بغيرها وإلا ناقض المخالفة".
وفي بعض المواضيع يقتصر على سرد آرائهم دون التّعليق عليها لاحظ ذلك في هذا المثال الذي تعرض فيه لقضيّة مرتكبَ الكبائر، فبعد استعراضه لرأي الأباضية في القضية يقول:" .. والأشاعرة أجازوا العفو عن الكبائر غير الشّرك بلا توبة ومنها الإصرار على الصغائر وهذا تفسير لما قبله أو يراد بما قبله الكبائر وبهذا الصغائر"، وذلك في معرض تفسير قوله تعالى:{وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}[الشورى: ٢٥].
ومما تقدّم نستتتج أن المفسّر يفنِّد آراء الأشاعرة المخالفة لمذهبه في الأصول، ويحكم عليها بالبطلان محاولًا ردها وإبطالها، مع إحتمال وضع الأحاديث المعتمدة أو تأويلها بما يتّفق مع أساليبها، وكان ردّه كما سبق ذكره عنيفًا وشديدًا أحيانًا يدل على استنكاره لهذه الآراء والتي يراها مخالفة للصواب، وعلى اعتقاده الجازم بصحة آراء مذهبه".
وقال في صفحة (٢٢٢): "وإذا وجد اتفاقًا في مسألة بين الأباضية وأحد هذه المذاهب ذكرهما معًا مثلما فعل في تفسير قوله تعالى: {وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأحقاف: ٣١]، حيث يذكر اتفاق الأباضية ومالك بن أنس في اعتقادهها أن لا دار للمكلف بعد البعث إلا الجنة والنار، والجنُّ يثاب أو يعذب كالإنسان ولا فرق بينهما. كما يذكر مثل هذا الاتفاق مع المعتقدات الأشعرية ونجد مثالًا لذلك في تفسير قوله تعالى:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء: ١٦٥] إذ يقول: "والآية دليل على أن حجة الله على عباده الكتب والرسل والعقل، وهذا مذهبنا ومذهب الأشاعرة" أ. هـ.
* قلت: وقال في كتابه هميان الزاد: (ومعنى استوائه تعالى: إلى السماء قصده إليها وتوجيه الإرادة إليها بأن يخلقها. يقال استوى زيد إلى كذا كالسهم المرسل إذا قصده من غير أن يميل إلى غيره. فكذا خلق ما في الأرض وخلق بعده السماوات بلا خلق شيء بين خلقهن، وخلق ما في الأرض. ووزن استوى: افتعل بمعنى تكلف السواء وهو أصل معناه. وأطلق في اللغة على الاعتدال: تسوية وضع الأجزاء، تقول: استوى زيد على الأرض، أي جلس عليها جلوسًا مستوية إليه أعضاؤه التي جلس بها معتدلًا.
ولا يصح حمل الآية على ذلك، لأنه من خواص الجسم والله -جلّ وعلا- ليس جسمًا ولا عرضًا. ولو كانت الآية على هذا المعنى لقال: ثم استوى في السماء أو على السماء، لا استوى إلى السماء، لكن الله -جل وعلا- لا يوصف بهذا المعنى، لو قال في السماء أو على السماء لكان مؤولًا بالقهر والغلبة. ويجوز تأويل الآية بهما، لكن تأويلهما بالقصد والإرادة أولى،