لأنه أقرب إلى أصل الاستواء وهو تكلف السواء، ولتعديته بإلى وللتسوية المرتبة عليه بالفاء. وعن ابن عباس: استوى إلى السماء ارتفع إليها، وفي رواية صعد. والمراد: ارتفاع أمره أو صعد أمره أو ارتفع إليها، وصعد بقصد وإرادة. قال الطبري: على أمره وقدرته وسلطانه. وقال ابن كيسان: قصد إلى السماء أي بخلقه واختراعه، وذلك لأنه تعالى منزه عن الانتقال والحلول).
وقال في الجزء الثالث صفحة (٣٦ - ٣٧): " {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}: روي أن أعرابيًّا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فنزلت الآية. وظاهر هذا أن المراد: إذا سألك عبادي عن قربي إليهم، أو بعدي. وقيل: إن الصحابة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أي ساعة ندعو ربنا؟ فنزلت الآية. وظاهر هذا أن المراد إذا سألك عبادي: أيّ وقت أقرب للإجابة. وقيل: إن بعض الصحابة الحديثي العهد بالإيمان: قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أين ربنا؟ فنزلت الآية. والمعنى وإذا سألك عبادي عن مكاني، فإن متعال عن المكان متنزه عنه، ولكني قريب إلى كل شيء.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال يهود المدينة: يا محمد كيف سمع ربنا دعاءنا وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء خمسمائة عام، وأن غلظ كل سماء مثل ذلك؟ فنزلت الآية. والروايتان السابقتان أولى، لأن إضافة العباد إلى نفسه مع قوله:{إِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ} الآية. تدل على اللطف والرحمة، ولا يناسبها هؤلاء الكفرة المغضوب عليهم.
ثم يقول: "وإن قلت: ما معنى قربه تعالى؟ قلت: ذلك كناية أريد فيها لازم المعنى، ومحال إرادة المعنى، لأنه تعالى لا يوصف بالحلول ولا بالاحتواء، ولا بالتحيز والقرب الحقيقي متضمن لذلك كله، فليس مرادًا، لكن المراد لازمه في الجملة، وهو العلم بحال العبد، وقوله وفعله. وإن شئت فمجاز مرسل، عبر بالقرب وأراد لازمه ومسببه وهما العلم بالمقروب إليه، فإن شئت فاستعارة تمثيلية تبعية شبه كمال علمه بحال العبد، وقوله وفعله بحال من قرب مكانه من شيء، فعلم به وما يتصف به".
ويذكر في ص (١٦٠) في معنى إتيان الله سبحانه وتعالى: {إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}: على حذف مضاف أي أمر لله، بدليل قوله تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} أو بأس الله كقوله سبحانه: {جَاءَهُمْ بَأْسُنَا}، أو على حذف المتعلق، أي إلا أن يأتيهم الله بأمره، كما ورد ما يقرب منه في آية أخرى، أو ببأسه كما يدل له:{عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، فإن العزة في حكمه تناسب البأس الذي لا يطاق، وهي صفة قهر، والعزة بلا حكمة قد تضع حيالها وعدتها، وهذا في الجملة، والله منزه عن الحيلة، وهذه الباء المقدرة للتعدية كهمزة التصيير، أي إلا أن يصير الله أمره أو بأسه آتيًا، والمعنى في ذلك كله واحد، ولا بد من المصير إليه، لأن الله تعالى منزه عن الحركة والسكون، لأنهما يستلزمان الحد والتحيز والجهات والتركب والعجز والحدوث وغير ذلك من صفات الخلق، هذا مذهبنا ومذهب المعتزلة والمحققين من الشافعية كالقاضي، وفي سبيل ذلك أن نقدر أن