للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يأتيهم قهر الله أو عذابه، فإن ذلك من أمره، أو نجعل في بمعنى الباء، أي أن يأتيهم الله بظلل من الغمام، أي أن يصير الله ظلل الغمام آتية إياهم.

والحاصل أن مذهبنا ومذهب هؤلاء: تأويل الآية عن ظاهرها إلى ما يجوز وصف الله به، وذلك مذهب المتكلمين، وحكمة حذف المضاف أو ذلك المتعلق: التهويل عليهم، إذ لو ذكرك أن أسهل عليهم ألا تراهم لتكذيبهم يقولون: {فاتنا بعذاب أليم}، {فَأَمْطِرْ عَلَينَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَو ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ونحو ذلك، وحكمة إتيان العذاب في الغمام، والإتيان بالغمام للعذاب، أن الغمام مظنة العذاب، ومنه ينزل المطر، وإذا جاء العذاب من حيث لا يتوقع لا يسمى من حيث ترخى المنفعة كان أعظم على النفس لبعده عن وهمها، ولذلك اشتد على المتفكرين في كتاب الله عزَّ وجلَّ قوله: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}، وزعم الكلبي وسفيان بن عيينة في ذلك ومثله أنه لا يفسر، بل يوكل إلى الله، وقال الزهري والأوزاعي، ومالك، وابن المبارك، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه: يقرأ ويفسر على ظاهره، بلا كيف ولا تشبيه حتى قال قائلهم:

عقدتنا أن ليس مثل صفاته ... ولا ذاته شيء عقيدة صائب

نسلم آيات الصفات بأسرها ... وإخبارها للظاهر المتقارب

ونويس عنها كنه فهم عقولنا ... وتأويلنا فعل اللبيب المغالب

ونركب للتسليم سفنا فإنها ... لتسليم دين المرء خير المراكب

وكلا القولين خطأ أما قول الكلبي وابن عيينة فلأنه جمود عن الحق مع ظهوره. لأنا إذا أولناه بما ذكرنا فقد وافقنا سائر الآيات والأحاديث الناهية عن التشبيه، ومعنى ذلك التأويل في نفسه مجمع عليه لا مخالف في ذاته، وإنما خالف من خالف في تأويل الآية به، وإذا كان ذلك المعنى مجمعًا عليه فأي مانع من تفسير الآية به، وأما قول الزهريّ ومن معه فلزم عليه إذ فسره بظاهره الوقوع فيما فروا منه من التشبيه، ولم يغن عنهم قولهم بلا تكييف ولا تشبيه، وزعم الطبري - قبّحه الله (١) - بسنده المتصل عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من الغمام طاقات يأتي الله -عزَّ وجلَّ- فيها محفوفًا، وذلك {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} ".

ويذكر في ص (٣٥٦) في معنى الكرسي: " {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}: هو جسم عظيم محيط بالسماوات والأرض أمام العرش، لقوله - صلى الله عليه وسلم - "ما السماوات السبع والأرضون السبع مع الكرسي إلا كحلقة في فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة" ومعنى إحاطته بالسماوات والأرض أنه أوسع منهن، فإنه أمام العرش دون العرش فوق


(١) ما هكذا ينبغي أن يخاطب علماء السلف، ولكن التعصب المذهبي جعل صاحب الترجمة يتفوه بذلك، وليته التزم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس المؤمن بالطعّان ولا باللعّان، ولا بالفاحش البذيء" أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -.