للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الأجانب بأرباح فاحشة استنزفت ثروة البلاد.

٦ - موقفهم من المعجزات وأخبار الغيب:

وقف الإصلاحيون من أخبار الغيب موقفًا متناقضًا غريبًا، إذ سلطوا على آيات القرآن وأخبار السنة الصحيحة التأويل أو الإنكار، إرضاءً لترهات عقولهم، ودعاوى الإفرنج وآراء المستشرقين.

أما المعجزات: فهم لا ينكرون وقوعها، وإنما ينكرون حجيتها ودلالتها على الرسالة .. لأنها لا تصلح لذلك - برأيهم - ويرى السيد رشيد رضا: أنه لولا حكاية القرآن لآيات الله التي أيد بها موسى وعيسى عليهما السلام، لكان إقبال أحرار الإفرنج عليه أكثر واهتداؤهم به أسرع وأعم، لأن أساسه قد بني على العقل والعلم وموافقة الفطرة البشرية" (١).

أحرار الإفرنج الذين بني دينهم المحرف على التثليث وخرافات لا يرضى بها أطفال المسلمين، يخشى السيد رضا من عدم اقتناعهم بالإسلام لمجرد نقل القرآن لبعض معجزات موسى وعيسى عليهما السلام .. إنه لأمر عجاب!

أما معجزات محمّد - صلى الله عليه وسلم -: فلهم فيها رأي آخر أشد خطرًا مما سبق إذ أنكروا معجزاته كلها، سوى القرآن الكريم، وجردوا نبوته من أي معجزة أخرى، وسلكوا في ذلك سبلًا، إما بإنكار صحتها، وإما بتفسيرها بأمر لا تكون به معجزة.

وقد أرجع الدكتور رمزي نعناعة هذا السلوك من السيد رشيد رضا ورجال المدرسة العقلية إلى المبالغة في تحكيم العقل. يقول:

"ولا أدري كيف خفي عليه -وهو المدافع عن الإسلام- أنه يوجد في هذا الزمان نوع من الإلحاد الخفي المآل، وهو تأويل كل آية أو حديث صحيح يدل على معجزة رسول من الرسل، حتى يكون مفادها أمرًا غير خارق للعادة، وهذا النوع أخطر أنواع الإلحاد لأنه سبيل إلى إنكار الأديان السماوية، وإلى هدمها من أساس، لأن أساس إثباتها المعجزات التي أجراها الله على أيدي الرسل عليهم الصلاة والسلام".

لقد ردوا كثيرًا من الأحاديث الصحيحة، لتساير أهواءهم ونظرياتهم من ذلك: حادثة انشقاق القمر رغم ورودها في البخاري ومسلم.

"عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إشهدوا، وفي رواية: "بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى إذ انفلق القمر فلقتين، فلقة وراء الجبل وفلقة دونه، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إشهدوا".

فقد شكك السيد رشيد رضا في تواتر الحديث ثم أورد الشبهات العقلية والعلمية على تلك المعجزة، وقد أوّل الآية الكريمة: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} أي طلع وانتشر نوره ..

أما الجن: فيرون أنه قد يكون نوعًا من الميكروبات الخفية. يقول رشيد رضا: "وقد قلنا في المنار غير مرة إنه يصح أن يقال إن الأجسام الحية الخفية التي عرفت في هذا العصر. بواسطة النظارات المكبرة، وتسمى "الميكروبات"، يصح أن تكون نوعًا من الجن، وقد ثبت أنها علل لأكثر الأمراض، قلنا ذلك في تأويل ما ورد من


(١) انظر تفسير المنار (١١/ ١٥٥).