قوله تعالى:{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا}. مع الآيات الكثيرة الناطقة إلى أن قال: وذكر الأستاذ الإمام في تفسير الآية وجه آخر يعد بيانًا للقول بأن الإتيان مسند إلى الله تعالى على أنه هو الذي يأتي على ظاهر مذهب السلف لا عذابه ولا يومه الموعود وهو من الآيات الكبرى وأسرار المعارف العليا. إلى أن قال: وإما أن يكون هذا الإتيان في ظلل من الغمام فهو من الأمور الأخروية الغيبية التي قلنا مرارًا أننا لا نبحث عن حقيقتها، فكون معرفة الله تعالى واليقين به مما يحصل للجاهلين والغافلين بحصول ظلل من الغمام نفوض سره إلى الله وما يدرينا أن في ذلك الغمام آيات بينات وحججًا باهرات، وإتيان الملائكة على هذا التأويل أظهر منه في التأويل لأن المقام مقام تمثيل ظهور سلطان الله تعالى وعظمته واستغراق القلوب في الخضوع لجلاله عندما يغشاها نور المعرفة ولا ريب أن حضور الملك في جنده الأكبر هو أبين لكمال العظمة وأظهر ولذلك قال في سورة الفجر:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} وفي سورة النبأ {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَال صَوَابًا}.
والمراد بهذا المعنى الذي قرره الأستاذ الإمام تقريب هذا المذهب من الأفهام ولا يعني أن هذا بيان لكيفية الإتيان في الغمام، ثم ختم البحث بقوله: هذا وأنت ترى أن الوجه الأول في تفسير الآية، هو المتبادر والمنطق على الآيات الأخرى في نذر القيامة وفي كل منهما عبرة وهداية للمؤمنين، وأما المرتابون الممارون فلا يزيدهم الكلام على الآخرة إلا ظلمًا ورجسًا إلى رجسهم لأنهم محجوبون في حسهم حتى عن أنفسمهم {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيهِمْ فَرِحُونَ}(١).
التعليق:
الشيخ الإمام محمّد عبده في صفة الإتيان والمجيء الذي يظهر أن الإثبات عنده والتأويل مستويا الطرفين، وإن كنت أرى أن التأويل عنده أرجح لأنه حكى مذهب المتأولة وقرره وحكى مذهب السلف ووجهه على قليل من التخليط بين مذهب السلف ومذهب المفوضة وأما تلميذه الشيخ محمّد رشيد رضا فقد مال في هذه الصفة إلى مذهب أهل التأويل والله المستعان".
ثم قال في صفة اليد:
"أما صاحب المنار فقد ذهب في صفة اليد في آية المائدة: {وَقَالتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}، مذهب المؤولة وألقى اللوم على ابن جرير الطبري الذي أثبت صفة اليد لله تعالى واتهمه بالتعصب واتهم غيره من أنصار مذهب السلف، وظهر بأنه لا يفرق بين مذهب السلف ومذهب المفوضة واختلط عليه الأمر كما اختلط على غيره في تشبيه مذهب المفوضة بمذهب السلف، والفرق بينهما كالفرق بين الثرى والثريا. فالسلف يثبتون وينزهون والمفوضة يقرأون ويجهلون وهذه بعض عبارته في كتابه، قال:
"ثم ردّ عليهم تعالى في قوله:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيفَ يَشَاءُ} أي بل صاحب