للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الجود الكامل والعطاء الشامل عبر عن ذلك ببسط اليدين لأن الجواد السخي إذا أراد أن يبالغ في العطاء جهد استطاعته يعطي بكلتا يديه وصفوه بغاية البخل والإمساك فأبطل قولهم وأثبت لنفسه غاية الجود وسعة العطاء ولا غرو فكل ما يتقلب فيه العالم كله من الخير والنعيم هو سجل من ذلك الجود والكرم والنكتة في قوله: {كَيفَ يَشَاءُ} بيان أن تقتير الرزق على بعض العباد الجاري على وفق الحكمة وسنن الله تعالى في الإجتماع لا ينافي سعة الجود وسريانه في كل الوجود، فإن له سبحانه الإرادة والمشيئة في تفضيل بعض الناس على بعض في الرزق بحسب السنن التي أقام بها نظام الخلق.

والعجب من الإمام الجليل أبي جعفر بن جرير الطبري كف صور استعمال نفظ اليد هنا أحسن تصوير ثم خفيت عنه نكتة تثنيته فجعلها حجة المفوضة على أهل التأويل ونحن معه في إثبات الصفات ننعي على المؤولين النفاة ولا يمنعنا ذلك أن نفهم نكتة تثنية اليد من استعمال لفظها المفرد، قال ابن جرير بعد تفسير غل اليد بالإمساك: وحسب العطاء عن الاتساع ما نصه ثم نقل كلام ابن جرير الذي نقلناه عنه في صفة اليد ثم قال: نعم إن التثنية ليست بمعنى الجمع واليد واليدين لم يقصد بلفظهما النعمة ولا القوة ولا الملك وإنما الاستعمال في الموضعين من الكناية، ونكتة التثنية إفادة سعة العطاء ومنتهى الجود والكرم وليس في هذا القول المروي عن ابن عباس تأويل ولا نفي لما أثبته الباري لنفسه من صفة اليد واليدين والأيدي في آيات أخرى، وما سبب ذهول ابن جرير عن نكتة التثنية إلا توجهه إلى الرد على أهل الجدل في المذهب الذي كانوا قد انتحلوه في تأويل الصفات ومتى وجه الإنسان همه إلى شيء يكون له منه حجاب ما عن غيره. وتقرير الحقيقة لذاتها غير الرد على من يعدون من خصومها {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَينِ فِي جَوْفِهِ} ولهذا غلط كثير من أنصار مذهب السلف في مسائل خالفوا فيها المذهب من حيث يريدون تأييده وهذه آفة من آفات عصبية المذاهب لا تنفك عنها. (١)

التعليق:

وهذا الذي ذكره صاحب المنار وألقى فيه اللوم على ابن جرير في انتصاره لمذهب السلف وعبّر عنه بالمفوضة واتهمه بالتعصب هو وغيره قد قرره غير واحد من فحول العلماء وهذا إمام المعقول والمنقول شيخ الإسلام ابن تيمية يقرر هذا في غير موضع من كتبه ويجعل التثنية في اليد من أعظم الحجج في إثبات صفة اليد لله تعالى، وهذا تلميذه الإمام اللغوي: ابن قيم الجوزية يقرر هذا في كتبه وخصوصًا في كتابه "الصواعق المرسلة" كما نقلناه عنه في مناقشة القرطبي. وغير هؤلاء ممن ألّف في مذهب السلف يذكر هذه الآية مستدلًا بها على إثبات صفة اليد كالإمام ابن خزيمة والإمام البخاري والإمام اللالكائي وغيرهم ممن ذكرنا كثرة.

أما اتهامه لأنصار مذهب السلف بأنهم يتعصبون لهذا المذهب حتى يؤدي بهم إلى نصر ما هو ضد المذهب فهذه دعوى ليس عليها


(١) تفسير المنار (٦/ ٤٥٦).