الرب موضعًا من الأمكنة ومن الأمم الكافرة في النار فتمتلئ وقيل القدم قد يكون اسمًا لما قدم من شيء كما تسمى ما خبطت من الورق خبطًا فعلى هذا من لم يقدم إلا كفرًا أو معاصي على العناد والجحود فذاك قدمه وقدمه ذلك هو ما قدمه للعذاب والعقاب الحالين به والمعاندون من الكفار هم قدم العذاب في النار وقيل المراد بوضع القدم عليها نوع من الزجر والتسكين لها كما يقول القائل لشيء يريد محوه وإبطاله جعلته تحت رجلي ووضعته تحت قدمي".
ويقرر نفس المبدأ السابق (٢٥/ ١٣٤): "قوله "إلّا رداء الكبر" ويروى إلّا رداء الكبرياء هو من المتشابهات إذ لا رداء حقيقة ولا وجه فإما أن يفوض أو يؤول الوجه بالذات والرداء صفة من صفات الذات اللازمة المنزهة عما يشبه المخلوقات".
قلت: في قوله (إذ لا رداء حقيقة) إشارة للقول بالمجاز وهو ما ذهب إليه الماتريدية.
وتارة أخرى يذهب مذهب الماتريدية في القول بنفي الجهة فيقول (٦/ ٨٨) "واعلم أن أهل السنة اتفقوا على أن الله يصح أن يرى بمعنى أنه ينكشف لعباده ويظهر لهم بحيث نكون نسبة ذلك الانكشاف إلى ذاته المخصوصة كنسبة الإبصار إلى هذه المبصرات المادية لكنه يكون مجردًا عن ارتسام صورة المرئي وعن اتصال الشعاع المرئي عن المحاذاة والجهة والمكان خلافًا للمعتزلة في الرؤية مطلقًا وللمشبهة والكرامية في خلوها عن المواجهة والمكان".
وتارة أخرى يرد على الماتريدية في مسألة تكليم الله سبحانه ونعالى لعباده حيث يقولون إن الله سبحانه وتعالى عندما يكلم عباده فإن كلامه لا يسمع وإنما يسمع ما هو عبارة عنه، فموسى إنما سمع صوتًا وحروفًا خلقها الله دالة على كلامه (١) فيقول (٢٥/ ١٠٦): "بيمينه من المتشابهات" فأما أن يفوض وأما أن يؤول بقدرته وفيه إثبات اليمين لله تعالى صفة له من صفات ذاته وليست بجارحة خلافًا للجهمية وعن أحمد بن سلمة عن إسحاق بن راهوية قال صح أن الله يقول بعد فناء خلقه لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيقول لنفسه لله الواحد القهار وفيه الود على من زعم أن الله يخلق كلامًا فيسمعه من شاء أن الوقت الذي يقول فيه لمن الملك اليوم ليس هناك أحد".
وتارة أخرى يؤول مباشرة بدون التصريح بأن مذهب السلف هو التفويض وأن مذهب أغلب أهل الكلام هو التأويل، وفي هذه التأيلات إشارة قوية على أنه مؤول، وإليك بعض هذه المواضع:
١ - تأويل الإصبع بالقدرة (١٩/ ١٤٤):
"قوله "على إصبع" المراد منه القدرة وقال ابن فورك المراد به هنا إصبع بعض مخلوقاته وهو غير ممتنع وقال محمّد بن شجاع الثلجي يحتمل أن يكون خلق خلقه الله تعالى يوافق اسمه اسم الإصبع وما ورد في بعض الروايات من أصابع الرحمن يؤول بالقدرة أو الملك وقال الخطابي
(١) "الماتريدية دراسة وتقويمًا" أحمد اللهيبي الحربي: (ص ٤٩٩).