للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فقال النَّبيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم -: وأنا أشهد (١).

وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى حكاية عن إبليس: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَينِ أَيدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} أنَّه قال: لم يستطع أن يقول: ومن فوقهم لأنَّه قد علم أن الله سبحانه وتعالى من فوقهم) (٢) والآيات والأخبار التي فيها تصريح بما يدل على الفوقية لقوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزمر: ١]، و {إِلَيهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: ١٠]، و {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيهِ} [النساء: ١٥٨] و {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيهِ} [المعارج: ٤] وقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه مسلم وأنت ظاهر فليس فوقك شيء- كثيرة جدًّا) (٣).

وكذا كلام السلف في ذلك، فمنه ما روى شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كتابه الفاروق بسند إلى أبي مطيع البلخي أنَّه سأل أبا حنيفة رضي الله عنه عمن قال: لا أعرف ربي سبحانه في السماء أم في الأرض فقال: قد كفر لأنَّ الله تعالى يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وعرشه فوق سبع سماوات، فقال: قلت: فإن قال: إنَّه على العرش ولكن لا أدري العرش في السماء أم في الأرض فقال رضي الله تعالى عنه: هو كافر، لأنَّه أنكر أن يكون في السماء، ومن أنكر أنَّه يكون في السماء فقد كفر وزاد غيره، لأنَّ الله تعالى في أعلى عليين وهو يدعى من أعلى لا من أسفل أ. هـ.

وأيد القول بالفوقية أيضًا بأن الله تعالى لما خلق الخلق لم يخلقهم ومن ذاته المقدسة. تعالى عن ذلك، فإنَّه الأحد، الصَّمد، الذي لم يلد ولم يولد، فتعين أنَّه خلقهم خارجًا عن ذاته، ولو لم يتصف سبحانه بفوقية الذّات مع أنَّه قائم نفسه، غير مخالط للعالم، لكان متصفًا بضد ذلك، لأنَّ القابل للشيء، لا يخلو منه أو من ضده، وضد الفوقية السفلى، وهو مذموم على الإطلاق، والقول بأن لا نسلم أنَّه قابل للفوقية، حتَّى يلزم من نفيها ثبوت ضدها، مدفوع بأنه سبحانه لو لم يكن قابلًا للعلو والفوقية، لم يكن حقيقة قائمة بنفسها، فمتى سلم بأنه جل شأنه، ذات قائم بنفسه، غير مخالط للعلم وأنَّه موجود في الخارج ليس وجوده ذهنيًا فقط بل وجوده خارج الأذهان قطعًا، وقد علم كل العقلاء بالضرورة أن ما كان وجوده كذلك، فهو إمَّا داخل العلم وإما خارج عنه، وإنكار ذلك إنكار ما هو أجلى البديهات فلا يستدل بدليل على ذلك إلَّا كان العلم بالمباينة أظهر منه وأوضح، وإذا كان صفة الفوقية صفة كمال لا نقص فيها، ولا يوجب القول بها مخالفة كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، كان نفيها عين الباطل، لا سيما والطباع مفطورة على قصد جهة العلو عند التضرع إلى الله تعالى، وذكر محمَّد بن طاهر المقدسي: أن الشَّيخ أبا جعفر الهمذاني، حضر مجلس إمام الحرمين، وهو يتكلم في نفي صفة العلو، ويقول: كان الله تعالى ولا عرش، وهو الآن على ما كان، فقال الشَّيخ أبو جعفر: أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا، فإنَّه ما قال عارف قط: يا الله، ألا وجد في


(١) قال الذهبي في العلو: هو مرسل أيضًا: ص (٤٠).
(٢) أخرجه ابن جرير بسنده إلى ابن عباس: (٣٤١ - ٣٤٢/ ١٢) تحقيق أحمد شاكر.
(٣) أخرجه مسلم في الذكر رقم: (٢٧١٣/ ٤).