للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(ص ٧٢):

(أن مكيًّا تتلمذ لابن أبي زيد القيرواني- صاحب الرسالة. وأنه سلفي في اعتقاده على مذهب مالك بن أنس، وذلك قبل أن يدخل الجدل الكلامي إلى أتباع مالك وأنصاره، ويتضح مذهب مكي الاعتقادي من خلال تفسيره لآيات الصفات خاصة، ويقوم مذهبه على ركنين أساسيين:

أ - أن نثبت لله من الصفات ما أثبت لنفسه ونقول كما قال، ونوجب ما أوجب، ونؤمن بما في كتاب الله، ولا نتقدم بين يدي الله ولا نكيف ما لا علم عندنا منه ولا نحده".

ب - نفي الشبه بين الله ومخلوقاته، ومباينة صفاته لصفاتهم، وذلك اعتمادًا على قوله تعالى: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.

وعلى هذين الأصلين، فهو يثبت كل ما أثبته القرآن في نفس الوقت الذي ينفي كل ما يفيد مشابهة الله لمخلوقاته، لهذا فهو ينفي عن الله الجارحة، والحركة والانتقال من مكان إلى مكان لأن هذه الصفات هي من صفات المخلوقين، وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:

- قال مكي في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}: "قوله: على عرشه ارتفع وعلا.

قال أبو عبيدة: استوى: على. وقال القتبي: استقر. وقيل: معناه: استولى.

وأحسن الأقوال في هذه: علا. والذي يعتقده أهل السنة ويقولونه في هذا أن الله -جل ذكره- فوق سماواته على عرشه دون أرضه وأنه في كل مكان بعلمه، وله تعالى ذكره كرسي وسع السموات والأرض -كما قال جل ذكره- وكذلك ذكر شيخنا أبو محمّد بن أبي زيد -رحمه الله-.

وقد سأل رجل مالكًا عن هذا فقال له: كيف استوى؟ فاحمرت وجنتا مالك وطأطأ رأسه فقال: الاستواء منه غير مجهول. والكيف منه غير معقول. والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة وإني أخاف أن تكون ضالًا.

أخرجوه، فأخرج. فناداه الرجل: يا أبا عبد الله: والله الذي لا إله غيره، لقد سألت عن هذه المسألة أهل البصرة وأهل الكوفة وأهل العراق إلى أن وردت عليك، فلم أجد أحدًا وفق لما وفقت له.

- وقال مكي في معرض تفسير قوله تعالى: "ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية":

... قال أبو محمد: ما جاء في القرآن والأحاديث من النزول والمجيء غير ذلك مضافًا إلى الله -جل ذكره- فلا يجب أن يتأول فيه انتقال ولا حركة على الله، إذ لا يجوز عليه ذلك، والحركة والنقلة إنما هما من صفات المخلوقين.

وكل ما جاء من هذا، فإنما هو صفة من صفات الله، لا كما هي من المخلوتين فأجرها على ما أتت، ولا تعتقد ولا تتوهم في ذلك أمرًا مما شاهدته في الخلق، إذ {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ}. ثم يقول:

"وقد قال جماعة من العلماء، في وصف الله -جل ذكره- بالمجيء والاتيان والتنزل، إنها أفعال يحدثها الله متى شاء، سماها بذلك فلا تقدم بين يديه، ولا تكيف ولا تشبه، وتقول كما قال،