للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وتنفي عنه جل ذكره- التشبيه، ولا تعترض في شيء مما أتى في كتابه من ذلك، وما روي عن نبيه - صلى الله عليه وسلم -".

وحينما يعرض مكي لتفسير بعض آيات الصفات، فهو يسرد أقوال المفسرين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وإذا كانت آراؤهم مختلفة ومتباينة، يختار منها الأقوى في العربية والأقرب من التنزيه البعيد من التشبيه، وذلك كما نرى في تفسيره لقوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ}.

قال مكي: أذكر يا محمد يوم يبدو أمر عظيم، وذلك يوم القيامة. قال ابن عباس: يوم يكشف: هو يوم كرب وشدة وأمر عظيم وهو يوم القيامة، وقرأ ابن عباس: يوم نكشف -بالنون- وقرأ ابن مسعود: بفتح الياء وكسر الشين - وعن ابن عباس أيضًا أنه قرأ: يوم تكشف -بالتاء- يريد القيامة تكشف عن أهوالها.

وروى مجاهد عن ابن عباس: عن ساق، قال: هي أول ساعة من القيامة وهي أفضحها وأشرها.

وقال ابن جبير: عن ساق: عن شدة الأمر.

وقال قتادة: عن ساق: عن أمر فظيع لهم جليل.

وعن ابن مسعود أنه قال: "يتمثل الله للخلق -يعني يوم القيامة- حتى يمر المسلمون فيقول: من تعبدون؟ فيقولون: نعبد الله لا نشرك به شيئًا، فينبهوهم مرتين أو ثلاثًا، فيقولون: هل تعرفون ربكم؟ فيقولون: سبحانه إذا اعترف لنا عرفناه. قال: فعند ذلك يكشف عن ساق فلا يبقى مؤمن إلا خر لله ساجدًا. ويبقى المنافقون ظهورهم طبق واحد كأنما فيها السفافيد، فيقولون: ربنا. فيقول: قد كنتم تدعون إلى السجود وأنتم سالمون".

قال أبو محمَّد: "فمعنى يكشف لهم عن ساق، أي: عن أمر عظيم وقدرة لا يقدر عليها إلا الله، فيعرفونه تعالى بما ظهر من قدرته إليهم".

ثم يقول مكي: "ولا يحل لأحد أن يتأول في هذا وما شابهه جارحة إذ ليست صفات الله كصفات الخلق، كما أنه ليس كمثله شيء، فاحذر أن يتمثل في قلبك شيء من تشبيه الله بخلقه.

فغير جائز في الحكمة والقدرة أن يكون المخلوق يشبه الخالق في شيء من الصفات. ومن شبه الخالق بالمخلوق، فقد أوجب على الخالق الحدوث وكفر وأبطل التوحيد، إذ في ذلك نفي القدم عن الخالق -تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا".

ونلاحظ من هذا النص تقديمه لآراء الصحابة والتابعين من المفسرين والتي كانت تنصب في جملتها على معنى واحد، هو الذي اختاره وفسر به، ثم عرضه للقراءات في الآية والتي تبعد معنى التشبيه الذي قد يفهم من قول ابن مسعود، ثم تفسيره لقول ابن مسعود، وإنكاره لمعنى الجارحة الذي قد يتبادر إلى الأذهان.

وبالرغم من قولنا إن مكيًا كان سلفيًا في عقيدته على طريقة المالكيين قبل أن يتورطوا في الجدل الكلامي، فإننا لا نستطيع أن ننفي عنه اطلاعه على الكلام ومذاهبه، بل إن لدينا من الأدلة ما يثبت اطلاعه على ذلك كما يبدو من بعض كتاباته وعباراته حيث يستعمل ألفاظ الحدوث