والعرض والقدم ويرد على أهل الفرق الكلامية كالمعتزلة والمرجئة وغيرهم، وبالرغم من ذلك لم يتورط في أساليب الجدل الكلامي، بل كان يعتمد أولًا وأخيرًا على النصوص".
ثم تكلم الدكتور أحمد فرحات أيضًا حول الآيات التي تكلم في المتكلمون أصحاب الكلام في صفات الله تعالى فقال المحقق (ص ٣٣٠): (أشرنا فيما سبق أثناء كلامنا عن عقيدة مكي في الفصل الأول من الباب الأول، أنه كان سلفيًا في عقيدته على مذهب مالك، قبل أن يتأثر بالمذهب الأشعري، وأنه يميل في آيات الصفات إلى الإيمان بها كما جاءت، ولكنه في نفس الوقت ينفي عن الله الجارحة؛ لأنه يعتبرها من صفات المخلوقين.
وفيما يلي نقدم نموذجًا من تفسيره لهذا النوع من الآيات، التي كانت موضع جدل كبير لدى الفرق الإِسلامية، ومثارًا لنزاع طويل، وسببًا في انقسام المسلمين إلى مذاهب وفرق متعددة، وسنلاحظ من هذا المثال، استيعابه للأقوال المختلفة، والتأويلات القريبة والبعيدة، ثم اختياره فيها:
وقال في قوله تعالى: {وَقَالتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيدِيهِمْ}.
هذه الآية من أدل دليل على صحة نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - إذ أخبرهم بمكنون سرهم، وخفي اعتقادهم.
ومعنى قولهم: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}: خير الله ممسك وعطاؤه محبوس، عن الاتساع عليهم، واليد -هنا-: بمنزلة قوله تعالى في تأديب نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} أي: لا تقتر في النفقة حتى تضر بنفسك ومن معك.
ولا تبسطها كل البسط، أي: لا تسرف في الإنفاق وتبذر، فتقعد لا شيء لك، وإنما خصت اليد، إذ جعلت في موضع الإمساك والإنفاق لأن عطاء الناس وبذل معروفهم الغالب عليه باليد، فجرى استعمال الناس في وصف بعضهم بعضًا بالكرم أو بالبخل بأن أضافوه إلى اليد التي بها يكون العطاء والإمساك، فخوطبوا بما يتعارفون في كلامهم، فحكى الله سبحانه عن اليهود أنهم قالوا: يد الله مغلولة، أي أنه يبخل علينا بالعطاء كالذي يده مغلولة عن العطاء تعالى الله عما قال أعداء الله علوًا كبيرًا.
وقال بعض المفسرين: معنى الآية: نعمة الله مقبوضة عنا لأنهم كانوا إذا نزل بهم خير، قالوا: يد الله مبسوطة علينا، وإذا نزل بهم ضيق وجدب، قالوا: يد الله مقبوضة عنا، أي: نعمة الله وإفضاله.
وقد قيل في قوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} إنهما مطر السماء ونبات الأرض؛ لأن النعم منهما وبهما تكون.
قوله: {غُلَّتْ أَيدِيهِمْ} أي عن الخير، {وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} أي: أبعدوا من رحمه الله -عَزَّ وَجَلَّ- لقولهم ذلك. وقيل: غُلّتْ في الآخرة وهو دعاء عليهم.
ثم قال تعالى ردًّا لما حكى من قولهم {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} أي: بالبذل والعطاء ينفق كيف يشاء، أي يعطي: فيحرم هذا ويقتر عليه ويوسع على هذا.
قال عكرمة ومجاهد والضحاك: قولهم: يد الله مغلولة: معناه: أنه بخيل ليس بجواد، وكذلك