تعالى: {لَا يَصْلَاهَا إلا الْأَشْقَى}.
أي: لا يدخلها ويصلى سعيرها إلا الأشقى الذي كذب بآيات الله أعرض عنها.
كان أبو هريرة يقول: لتدخلن الجنة إلا من أبى. قالوا: يا أبا هريرة ومن يأبى أن يدخل الجنة. قال: {الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى}.
والمرجئة الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل، يتعلقون بهذه الآية: وفي تدبرها أقوال:
منها: أن المعنى لا يصلاها إلا الأشقى والذي كذب وتولى، فتكون الواو مضمرة. حكى المبرد وغيره أن العرب تقول: أكلت خبزًا لحمًا ثمرًا، فيحذفون حرف العطف، وأنشد أبو زيد:
كيف أصبحت كيف أمسيت مما ... يثبت الود في فؤاد الكريم
وإضمار الواو قبيح ليس بكثير في كلام العرب، وفيه نقض للأصول، وخروج عن الظاهر.
وقيل التقدير: لا يصلاها إلا الأشقى من الكفار والفساق، ثم أعاد ذكر الكفار خاصة تنبيهًا عليهم لأنهم أعظم ذنبًا من الفساق.
وقيل التقدير: فأنذرتكم نارًا هذه صفتها.
وقيل التقدير: لا يصلاها إلا أشقى أهل النار، وأشقاهم: الكفار، فدل هذا على أن غير الكفار يدخلون النار بذنوبهم.
وقيل المعنى: لا يخلد فيها إلا الأشقى الذي كذب وتولى، فهذا للكافر -بإجماع- خاصة.
وهذا القول أحسن الأقوال عندي.
وقال في قوله تعالى: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}:
أي: وهذا الذي أمروا به، هو دين الملة المستقيمة ودين الجماعة المستقيمة لا يتم دين الإِسلام إلا بذلك.
وهذا نص واضح على أن الإيمان قول وعمل بخلاف ما قاله المرجئة، أن الإيمان قولًا لا غير، وقد قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} وبين -ما هنا- أن إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإخلاص العمل لله هو الدين المستقيم العادل.
وقال في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}:
وتسمة الله -جل ذكره- الصلاة: إيمانًا في هذه الآية رد على المرجئة الذين يقولون: إن الصلاة ليست من الإيمان.
قال أشهب: وإني "ذكر بهذه الآية قول المرجئة، وعلى أن الإيمان -بهذه الآية- يراد به: الصلاة نحو بيت المقدس، وقاله البراء بن عازب ورفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قول قتادة والسدي والربيع بن أنس، وابن المسيب وزيد بن أسلم ومالك وغيرهم.
ومن خلال النصوص المتقدمة نرى:
في النص الأول:
- ذكره للأقوال المتعددة في تفسيرها، كما هي عادته دائمًا.
- إشارته إلى استدلال المرجئة على مذهبهم بهذه الآية.
- رده لقول المبرد، بقوله: وإضمار الواو قبيح ليس بكثير في كلام العرب، وفيه نقض للأصول، وخروج عن الظاهر.
- اختياره للقول الأخير، الذي يجعل الآية في الكفار خاصة حيث يقول: وهذا أحسن الأقوال عندي.