وفي النص الثاني {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} يقول: وهذا نص واضح على أن الإيمان هو دين الملة المستقيمة .. وهو نص واضح على أن الإيمان قول وعمل بخلاف ما قاله المرجئة، ويستدل على ذلك يقول الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} ويبين -ها هنا- أن إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإخلاص العمل لله هو الدين المستقيم العادل.
وكذلك يستدل بالنص الثالث الذي يسمي الصلاة: إيمانًا، وهو قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} حيث يقول: وتسمية الله -جل ذكره- الصلاة: إيمانًا -في هذه الآية- رد على المرجئة، الذين يقولون: إن الصلاة ليست من الإيمان.
ج- ردوده على المعتزلة:
حفل تفسير مكي بالردود على المعتزلة، وذلك أثناء تفسيره للآيات التي يستدل بها المعتزلة على مذهبهم، وكان مكي يثير إلى رأيهم واستدلالهم بالآية، ثم يناقشهم في آرائهم ويفندها بالنظر الصحيح الذي يعتمد على النصوص والعربية، وفيما يلي تقدم نماذج من ردود مكي على المعتزلة ونقاشه لآرائهم.
عدم إرادة الله كفر الكافر:
قال مكي في معرض تفسير قوله تعالى:
{وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيئًا}: هو تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - ألا يحزن على مسارعة من أسرع إلى الكفر من المنافقين واليهود.
وفتنته: ضلاله.
{فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيئًا} لا اهتداء له أبدًا.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} أي: ذل وصغار، وأداء الجزية عن يد. {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
وزعمت المعتزلة والقدرية أن الله عَزَّ وَجَلَّ لم يرد كفر أحد من خلقه، وأراد أن يكون جميع الخلق مؤمنين، فكان ما لم يرد، ولم يكن ما أراد -تعالى الله عن ذلك- وقد قال:
لم يرد الله أن يطهر قلوبهم. وقال {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} وقال {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}، وقال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}، وقال: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَينَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} -الآية- وقال: {وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وقال: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيئًا}.
وقال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}.
وقال: {أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا}.
وقال: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}.
وفي كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ من هذا كثير لا يحصى.
يخبر -تعالى- في جميعه أنه أراد جميع ما كان وما يكون، وأن جميع الحوادث كانت عن إرادته ومشيئته، وأنه لو شاء لأحدثها على خلاف ما حدثت فيجعل الناس كلهم مؤمنين. فعندت المعتزلة -عليها لعنة الله تعالى- قولهم عن ذلك، وخالفت وقالت: حدث كفر الكافر على غير إرادة من الله -سبحانه وتعالى علوًا كبيرًا- وعلى