إرادة من الشيطان.
وقد أجمع المسلمون على قولهم: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وقالت المعتزلة: يكون ما لا يشاء الله -جلت قدرته وعظمته- وهو كفر الكافر، معاندة لإجماع الأمة. وقد حملت المعتزلة في قولها على أنه ليس لله تعالى ذكره على إبليس مزية؛ لأن إبليس شاء أن لا يؤمن أحد، فآمن المؤمنون، فكان خلاف ما شاء، لا فرق بينهما على قولهم، تعالى ربنا عما قالت المعتزلة علوًا كبيرًا، بل كل عن مشيئة كان، يفعل ما يشاء، يوفق من يشاء فيؤمن، ويخذل من يشاء فيكفر لا معقب لحكمه ولاراد لمشيئته، خلق من يشاء للسعادة فوفقه لعلمها، وخلق من يشاء للشقاء وخذله عن العمل بغير عمل أهل الشقاء، كل ميسر لما خلق له هذا هو الصراط المستقيم. أعاذنا الله من الزيغ عن الحق.
وقال مكي في تفسير قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا}:
والمعنى: سيقول المشركون من قريش وغيرهم الذين تقدم ذكرهم إذا تبين لهم أنهم على باطل، قالوا: لو شاء الله ما فعلنا ذلك.
ثم أخبرنا الله أن قولهم هذا قال به من كان قبلهم حتى نزلت فيهم العقوبة وهو قوله: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا}: أي نزلت بهم عقوبة فعلهم.
وقد تعلقت المعتزلة بهذه الآية، فقالوا: إن الله لم يشأ شرك المشركين لأن الله لم يذكر هذه الآية إلا على جهة الذم لهم في قولهم: إن الله لو شاء ما أشركوا، فأضافوا ما هم عليه من الشرك أنه عن مشيئته كان. ولو أن قولهم صحيح ما ذمهم عليه.
قالوا: فدل ذلك على أن الله تبارك وتعالى لم يشأ شرك المشرك. وفي قوله تعالى -بعد هذه الآية-.
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} ما يدل على بطلان ذلك، بل الله المقدر لكل أمر من شرك وغيره.
ومعنى {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} و {آبَاؤُنَا} أي لو شاء لأرسل إلى آبائنا رسولًا يردهم عن الشرك فيتبعوه على ذلك.
وقيل: إنما قالوا هذا على جهة الهزء واللعب والاستخفاف، ولو قالوه على يقين وحق لما رد عليهم ذلك.
وتلاحظ على هذين النصين:
- نقله لقول المعتزلة بعدم إرادة الله كفر الكافر.
- كثرة النصوص القرآنية التي يستشهد بها لإثبات المشيئة الإلهية وتفسيرها بقوله: أراد الله جميع ما كان ويكون، وأن جميع الحوادث كانت عن إرادته ومشيئته، وإنه لو شاء لأحدثها على خلاف ما حدثت فيجعل الناس كلهم مؤمنين، ثم يبين انحراف المعتزلة في فهمها.
ويستدل عليهم بعد ذلك بإجماع الأمة على قولها: "ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن" ومخالفتهم لهذا الإجماع.
ثم يستدل من لازم كلامهم على أنهم لم يجعلوا لله -جل ذكره- على إبليس مزية؛ لأن إبليس شاء أن لا يؤمن أحد فآمن المؤمنون، فكان خلاف ما شاء، فلا فرق بينهما.
وفي النص ينقل استدلالهم بالآية أيضًا، ويرد