قولهم بالآية التي بعدها التي تظهر فساد تفسيرهم، وهي قوله: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} ثم يشرح الآية على وجهها الصحيح الذي يراه قائلًا: ومعنى {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا}: أي لو شاء لأرسل إلى آبائنا رسولًا يردهم عن الشرك فيتبعوه على ذلك.
وقيل: إنما قالوا هذا، على جهة الهزء واللعب والاستخفاف، ولو قالوه على يقين وحق لما رد عليهم ذلك.
ومن كل ما تقدم يتبين استحضاره للنصوص التي تؤيد ما ذهب إليه وتنقض ما فهمه المعتزلة، وتخطئته لهم في الفهم بقطع الآيات عن سياقها ثم شرح هذه النصوص على الوجه الذي يتناسب مع السياق والآيات الأخرى).
وقال تحت عنوان: خلق القرآن: وقال في قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ}:
(أي: ما حرم الله ذلك، وقيل المعنى: ما بحر الله بحيرة، ولا وصل وصيلة ولا سيب سائبة، ولا حمى حاميًا، ولكن الكافرين اخترقوا ذلك.
وقد تعلق قوم من الجهلة القائلين بخلق القرآن بقوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا} إنه بمعنى فعلناه، أي: خلقناه.
وهذه الآية تظهر جهلهم، وهي قوله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} فإن كان "جعلنا" بمعنى "خلقنا"، فقد نفى عن نفسه -هنا- الجعل، فمن خلقهم؟ آثم خالق غير الله؟ .
ويدل على فساد قولهم قوله تعالى: {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} فإن كان "جعل" بمعنى "خلق". فلم يكن القوم إذًا موجودين، وقد أخبر عنهم أنهم استضعفوا في الأرض.
وقال: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} فيجب على قولهم أن يكون إبراهيم غير مخلوق في ذلك الوقت.
وقال: {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ} فواجب على قولهم أن يكون قد ميز الخبيث من الطيب، وهو غير موجود.
وقال: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ}: -حكاية عن الكفار- أتراهم أيه الجهلة والقدرية خلقوهم، إنما سموهم.
ويلزمهم أن يكون القرآن خلق مرتين، لقوله: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ}، وقوله: {جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} وهذا أكثر من أن يحصى والجعل: يكون بمعنى "التصيير" و"الوصف" و "التسمية"، وقد يكون بمعنى الخلق بدلالة تدل عليه، نحو قوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} أي "وخلق". لكن إذا كانت (جعل) بمعنى (خلق) لم يتعد إلا إلى مفعول واحد.
وقال مكي في تفسير سورة "الزخرف":
حم الزخرف: مكية.
قوله تعالى: {حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَينَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (٥) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٧) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ}. قد تقدم ذكر حم.
وقوله والكتاب المبين: قسم، أي: المبين لمن