للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

نظرت إليه: بمعنى: انتظرته وإنما يقال: نظرته بمعنى انتظرته، وأيضًا فإنه لا يجوز انتظرت زيدًا بمعنى: عطاءه أو غلامه، أو ثوابه، أو نحوه؛ لأن فيه تغيير المعاني وإبطال الخطاب، وأيضًا فإن النظر إنما يضاف إلى الوجه، والانتظار إنما يضاف إلى القلوب، فلا يجوز أن يقال: وجه منتظر لك، فلما أتى النص بإضافة النظر إلى الوجوه، لم يجز أن يتأول فيه معنى الانتظار.

ولو قال: قلوب يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، لحسن كونها بمعنى الانتظار لإضافته إلى القلوب.

قال الحسن في الآية: نظرت إلى الله فنضرت من نوره، أي: نعمت.

وقد روى عبادة بن الصامت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

"إني حدثتكم عن المسيح الدجال، أنه قصير أفحج، أعور مطموس العين اليسرى، ليست بناتئة ولا حجزاء، فإن التبس عليكم، فاعلموا أن ربكم -جل وعز- ليس بأعور، وأنكم لن تروا ربكم -جل ذكره- حتى تموتوا" (١).

وقد استدل من أنكر النظر بإضافة النظر إلى الوجه، قال: والعين لا تسمى وجهًا، وقد أضاف النظر إلى الوجه.

وهذا غلط ظاهر؛ لأن العرب من لغتها أن تسمي الشيء بالشيء إذا قرب منه وجاوره، وقد قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} والسعي للأقدام. وقد أضاف السعي للوجه، وهو أبعد من الأقدام من العين إلى الوجه.

فإذا جاز أن يضاف سعي الأبدان والأقدام إلى الوجه لالتباس الوجوه بها، كان إضافة النظر إلى الوجوه يراد به العين أجوز وأحسن؛ لأن العين في الوجه، وهي من جملة الوجه. وهذا سائغ جائز في اللغة وفي كثير من القرآن.

وأما أحاديث تصحيح النظر إلى الله -جل ذكره- في الآخرة فكثيرة أشهر من أن نذكرها هنا. ويدل على تصحيح جواز ذلك من القرآن والنظر قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيكَ} وفي سؤاله النظر دليل على جوازه؛ لأن موسى لا يمكن أن يسأل ما لا يجوز وما يستحيل فأعلمه الله أنه لا يراه في الدنيا أحد.

فأما قوله تعالى: لا تدركه الأبصار فمعناه: لا تحيط به، ومن قال: إن معناه: لا تراه، فقد غلط، لأنه يلزم أن يكون معنى "حتى إذا أدركه الغرق:


(١) لقد ورد هذا الحديث في مسند أحمد: (٥/ ٣٢٤) - طبعة المكتب الإسلامي ودار صادر. بهذا اللفظ.
حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا حيوة بن شريح، ويزيد بن عبد ربه قالا: حدثنا بقية، حدثني بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن عمرو بن الأسود عن أبي جنادة بن أبي أمية، أنه حدثهم عن عبادة بن الصامت أنه قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت ألا تعقلوا، إن المسيح الدجال، رجل قصير أفحج، جعد أعور، مطموس العين بناتئه ولا حجزاء، فإن ألبس عليكم -قال يزيد: ربكم- فاعلموا أن ربكم -تبارك وتعالى- ليس بأعور، وأنكم لن ترون ربكم -تبارك وتعالى- حتى تموتوا، قال يزيد: تروا ربكم حتى تموتوا.
وأخرجه أبو داود. انظر "عون المعبود": (٤/ ١٩٨) وما بعدها، طبعة دار الكتاب العربي في لبنان.