للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

إذا رآه" وذلك محال. إنما معناه: إذا أحاط به.

وكذلك يلزمه أن يكون معنى {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}: انا "لمرئيون" ولم يخافوا أن يراهم قوم فرعون إنما خافوا أن يحيطوا بهم، فالمعنى: إنا لمحاط بنا.

وكذلك يلزمهم أن يكون معنى: {لَا تَخَافُ دَرَكًا}. لا تخاف رؤية. وهذا محال، لم يؤمنه الله من رؤية آل فرعون، إنما أمنه من إحاطتهم به وبمن معه واستعلائهم عليهم.

فالمعنى في الآية: لا تحيط به الأبصار في الدنيا ولا في الآخرة.

ومعنى: لن تراني، أي لن تراني في الدنيا، فالإحاطة، منفية. . والرؤية له في الآخرة غير منفية.

كما أن قوله: ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء، لا يكون نفيا عن أن يعلموه. فكما كانت الإحاطة لا تدل على نفي العلم، كذلك نفي الإدراك لا يدل على نفي الرؤية، وكما جاز أن يعلم الخلق أشياء ولا يحيطون به علما، كذلك جاز أن يروا ربهم ولا تحيط به أبصارهم.

فمعنى الرؤية غير معنى الإدراك، فلذلك لا يجوز أن يكون معنى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}: لا تراه.

وقيل: معنى: لا تدركه الأبصار في الدنيا، على أن يكون "تدركه" بمعنى تراه، وتدركه في الآخرة، أي تراه بدلالة قوله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وبدلالة قوله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}.

وهذا من أدل ما يكون من النص على جواز الرؤية، لأن المؤمنين لا بد أن يكونوا في الآخرة إما محجوبين أو غير محجوبين، فلا فرق بينهم وبين الكفار الذين حكى الله عنهم أنهم محجوبون في الآخرة، ولا فائدة في إعلام الله لنا أن الكفار محجوبون عنه إذ الكل محجوبون فلا بد أن يكون المؤمنون غير محجوبين عن رؤيته بخلاف حال الكفار.

وقيل معنى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}، أي: بالنهاية والإحاطة فأما الرؤية: فنعم.

وقيل معنى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} كإدراك خلقه، لأن أبصارهم ضعيفة.

وقيل معنى: لا تدركه الأبصار في الدنيا ولا في الآخرة، أي أبصار الخلق التي خلقها الله فيهم، لا يرونه بها، ولكن يحدث لهم تعالى في الآخرة حاسة يرونه بها، وهذه دعوى لا دليل يصحبها من أثر ولا نظر، والله قادر على كل شيء.

وقد روى جماعة من الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إنكم ترون ربكم يوم القيامة، كما ترون هذا، يعني: القمر، لا تضامون في رؤيته، وفي بعض الروايات: لا تضارون في رؤيته. وفي بعضها: كما ترون الشمس في غير سحاب. وفي بعضها: كما ترون الشمس نصف النهار، وليس في السماء سحابة، وفي بعضها: كما ترون القمر ليلة البدر وليس في السماء سحابة (١).

وقد ذكر النحاس في "تضارون" و"تضامون" واختلاف ألفاظهما ومعانيهما ثمانية أوجه:

تضارون وتضامون -مضموم الأول مخففا- قال ويجوز في تضارون وتضامون -مضموم الأول


(١) انظر متن البخاري بحاشية السندي (٤/ ٢٨٣ - ٢٨٤) وما بعدها.