مشددا-، قال: ويجوز "تضامون" -مفتوح الأول مشددا- إذ أصله "تتضامون" ثم حذفت إحدى التاءين كتفرقوا، وتساءلون. قال: ويجوز تضامون- مفتوح الأول مشدد الضاد والميم على أن تدغم التاء الثانية في الضاد، كما قال، تظاهرون.
وكذلك يجوز تضامون وتضارون على ذلك التقدير في الحذف والإدغام والرواية فيهما بالتخفيف. ومعناه: لا ينالكم عند ربكم ضرر ولا ضيم، ومن رواه مشددا مضموم الأول فمعناه: لا يضار بعضكم بعضًا في الرؤية ولا يضام بعضكم بعضًا كما تفعلون في رؤية الهلال في الدنيا إذا ازدحمتم لرؤيته.
ومن تفسير مكي لهذا النص نرى:
- ذكره للأقوال المتعددة في نفسيره حسب الظاهر.
- ذكره لقول المعتزلة بتأويل النص إلى معنى "الانتظار" بدلا من النظر.
- تخطئته للمعتزلة فيما ذهبوا إليه، لأنه -لو كان من الانتظار لعدى بـ "إلى" وكونه لم يعد بـ "إلى" يدل على أنه من "النظر".
وأيضًا فإن "النظر" إنما يضاف إلى الوجوه، والانتظار إنما يضاف إلى القلوب.
ثم يستدل بحديث عبادة على الرؤية بعد الموت.
ثم ينقل حجة من أنكر النظر بإضافة النظر إلى الوجه.
ثم رد عليه بقوله: وهذا غلط ظاهر، لأن العرب من لغتها أن تسمي الشيء بالشيء إذا قرب منه وجاوره، ويستدل مكي على صحة هذا الكلام بقوله: وقد قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (٩)}. ويعلق مكي على الآية قائلًا:
والسعي للأقدام، وقد أضاف السعي للوجه، وهو أبعد من الأقدام، من العين إلى الوجه.
ثم يقول: فإذا جاز أن يضاف سعي الأبدان والأقدام إلى الوجه لالتباس الوجوه بها، كان إضافة "النظر" إلى الوجوه يراد به العين أجوز وأحسن، لأن العين في الوجه، وهي من جملة "الوجه" وهذا سائغ جائز في اللغة وفي كثير من القرآن.
ثم ينتقل إلى تصحيح جواز رؤية الله تعالى يوم القيامة بالقرآن والنظر، ويذكر طلب موسى رؤية ربه وأنه لو لم يكن ممكنًا ما طبه، لأن موسى لا يمكن أن يسأل ما لا يجوز، فأعلمه الله أنه لا يراه في الدنيا أحد.
ثم ينتقل إلى الآية التي يستشهد بها المعتزلة على عدم الرؤية {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} وينفي أن يكون "الإدراك -هنا- بمعنى: النظر بل هو بمعنى "الإحاطة"، ويستدل لذلك بقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ}، أي: أحاط به، وكذلك قوله: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} أي: محاط بنا.
ثم يقول: فمعنى الرؤية غير معنى الإدراك.
ثم يقول: لو سلمنا أنه بمعنى الرؤية، لكان ذلك للرؤية في الدنيا فقط بدليل قوله في الكافرين: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} معنى ذلك أن المؤمنين غير محجوبين. ثم يستشهد بالأحاديث الصحيحة التي تبين إمكانية الرؤية