وقال سعيد بن المسيب وجماعة: هذا في الآخرة.
والله تعالى يبدل سيئات التائب بالحسنات في صحيفته.
وقد ورد في القول الثاني خبر صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه وكيع عن الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يؤتى بالمؤمن يوم القيامة فيعرض عليه صغار ذنوبه وينحا عنه كبارها فيسأل ويعترف وهو مشفق من الكبار فيقول الله تعالى أعطوه مكان كل سيئة حسنة. فيقول يا رب إني لي ذنوبا ولا أراها هاهنا، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه" خرجه مسلم في صحيحه.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: يعطى المؤمن صحيفته يوم القيامة فيقرأ بعضها وإذا هي سيئات. فإذا وصل إلى الحسنات ينظر نظرة فيما قبلها، فإذا هي كلها صارت حسنات.
وقد أنكر جماعة من المتقدمين أن تنقلب السيئة حسنة، منهم الحسن البصري وغيره، وإذا ثبت الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبق لأحد كلام.
وعند قوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا} [الروم: ٣٠] أورد رحمه الله تعالى إشكالا قويا وأجاب عنه وانتصر لأهل السنة فقال:
اختلفوا في هذه الفطرة فمنهم من قال: الفطرة هاهنا بمعنى الدين. وقوله: {فَطَرَ النَّاسَ} أي خلق. ويروى هذا عن ابن عباس وغيره، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: كل مولود يولد على الفطرة ... الحديث. وثبت أيضًا عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال فيما يحكي عن ربه أنه قال: خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم.
فإن قيل كيف يستقيم هذا على أصولكم وعندكم أن الله تعالى خلق الناس صنفين مؤمنين وكافرين. وهذه الآية والإخبار تدل على أن الله تعالى خلق عباده مؤمنين، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله تعالى أخرج ذرية آدم من صلبه وخاطبهم بقوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: ١٧٢]، فأقروا بالعبودية والإيمان فالناس يولدون على ذلك؟
والجواب عنه أن أهل العلم اختلفوا في هذا.
فحكى النحاس في تفسيره عن ابن المبارك: أن الآية في المؤمنين خاصة، وحكى أبو عبيد في غريب الحديث عن محمد بن الحسن أنه قال: هذا قبل نزول الأحكام والأمر بالجهاد، كأنه أشار إلى أن الآية منسوخة، ثم ذكر النحاس أن كلا المعنيين ضعيف.
أما ما ذكره ابن المبارك، فهو مجرد تخصيص وليس عليه دليل.
وأما ما ذكره محمد بن الحسن فهو إثبات النسخ في الأخبار والأخبار لا يرد عليها النسخ.
والصحيح في معنى الآية والخبر: أن معنى الفطرة: هو أن كل إنسان يولد على أنه متى سئل من خلقك؟ فيقول: الله خلقني وهي المعرفة التي تقع في الخلقة.
قال أبو عبيدة الهروي: وهو معرفة الغريزة والطبيعة، والى هذا وقعت الإشارة في قوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: ٨٧].
وبهذا القدر لا يحصل الإيمان المأمور به. فالناس