للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للصواب" (١).

ثم شرع في إيراد تلك المطاعن والمثالب، على شكل روايات تاريخية، يسوقها بالسند منه إلى قائليها، ويستتر وراءها، متظاهرًا بأنه ليس له فيها إلا روايتها وجمعها. واستمر في سرد تلك الروايات التي تحمل المطاعن والاتهامات لأبي حنيفة، بإسهاب وإطناب غريب على مئات الروايات، واستغرقت ما يزيد على الثمانين صفحة (٢).

مجمل تلك المطاعن وأنواعها:

لقد ساق الخطيب تلك المطاعن مقسمة إلى فصول، يتعلق بعضها بأصول الديانات، وبعضها بالفروع، والبعض الآخر بِمُسْتَشْنَعَات الألفاظ، وغير ذلك.

وسأجملها في النقاط الرئيسية التالية، ثم أذكر في كل نقطة، المسائل المتفرعة عنها، ثم أنقد تلك الروايات من جهة السند والمعقول إجمالًا.

والنقاط الرئيسية للمثالب التي ذكرها الخطيب هي:

أ. كثرة العلماء الذين ردوا على أبي حنيفة.

ب. ما حكي عن أبي حنيفة في الإيمان.

جـ. ما حكي عنه من القول بخلق القرآن.

د. ما نسب إليه من رأيه في الخروج على السلطان.

هـ. ما حكي عنه من مستشنعات الألفاظ والأفعال.

و. ما قاله العلماء في ذم رأيه والتحذير منه، وما يتعلق بذلك من أخباره.

تنبيهان:

وقبل الدخول في تفاصيل تلك المثالب ومناقشتها، أود أن ألفت النظر، وأنبه إلى أمرين مهمين، لعل في ذكرهما إلقاء الضوء على الموضوع قبل مناقشته.

هذان الأمران هما:

أ- كيف يصف الخطيب المثالب بـ "المحفوظ"، وفي أسانيد تلك الروايات رجال تكلم الخطيب نفسه عليهم بالجرح والتضعيف، في كتاب التاريخ ذاته! ؟ ..

ب- إن بين النسخ المخطوطة لتاريخ بغداد، اختلافًا كبيرًا في كمية المثالب الواردة في ترجمة أبي حنيفة، فما هو السبب؟

أما الأمر الأول: فيستغرب أن يصدر عن الخطيب بهذه الصراحة، التي يكون فيها مجالًا للنقد، حتى بين تلامذته الذين كان يملي عليهم التاريخ. فالذي يتكلم على رجال في الكتاب نفسه -تاريخ بغداد- ويصفهم بالضعف والكذب، ثم يروي روايات مسندة عنهم، ثم يصف هذه الروايات بأنها المحفوظة عند المحدثين، يجعل نفسه هدفًا لسهام الناقدين له، والطاعنين عليه، وما أظن الخطيب يفعل هذا، وإنما هذا -والله أعلم- من زيادة بعض المشايخ المغرضين، دسه على لسان الخطيب.

وأما الأمر الثاني: وهو مسألة اختلاف النسخ المخطوطة في مقدار روايات المثالب، في ترجمة أبي حنيفة، فهو شيء يلفت النظر، ويدعو للتأمل


(١) تاريخ بغداد (١٣/ ٣٦٩).
(٢) وهي بين ص (٣٦٩ - ٤٥٤).