والبحث في سبب هذا الاختلاف في هذا المكان الخطير، كما أنه يدعم ما ذكرت آنفًا، من أن التاريخ قد زيد فيه أشياء بعد وفاة الخطيب.
فقد جاء في النسخة المطبوعة، في الجزء الذي طبع أولًا، وصودرت كثر نسخه، ثم أعيد طبعه، جاء في الجزء الثالث عشر في ص:(٣٧٧) تعليق في أسفل الصفحة هذا نصه:
"من هنا سقط في نسخة الكوبريلي، إلى آخر ترجمة أبي حنيفة، وأكملنا بقية الترجمة من نسخة الصميصاطية".
ونسخة الكوبريلي هذه، هي النسخة المصورة في دار الكتب المصرية، عن نسخة مخطوطة في تركيا.
ومن هذا التعليق، الذي كتبه الناشر للكتاب، يتبين أن المثالب التي في نسخة الكوبريلي، لا يتجاوز حجمها الثماني صفحات فقط، من الجزء المُصَادَر، وهي بين ص (٣٦٩ - ٣٧٧). فتكون نسبة الموجود في هذه النسخة من المثالب، إلى النسخة الأخرى -وهي الموجودة في دار الكتب المصرية- السدس أو أقل. أي أن الموجود من المثالب في النسخة الثانية، يزيد ست مرات أو أكثر على ما في النسخة الأولى -الكوبريلي-، من المثالب، وهو فرق كبير جدًّا، فليس الفرق بين النسختين زيادة سطر أو سطرين، أو إيراد خبر أو خبرين، وإنما الفرق بشكل يدعو للاستغراب، وخصوصًا في مثل هذا الموقف الحساس! .
وبعد هذا العرض للتنبيهين، نبدأ بذكر النقاط الرئيسية للمثالب التي ذكرها الخطيب، واحدة واحدة، مع مناقشة كل نقطة، وبيان ما يظهر لي فيها من الحق. والله المعين على ذلك.
أ- فأما النقطة الأولى:
وهي كثرة العلماء الذين ردوا على أبي حنيفة، فهي عبارة عن فصل صغير، ساقه الخطيب كرواية تاريخية وصلت إليه، فيها أسماء خمسة وثلاثين شخصًا من العلماء والأئمة، يقول ناقلها إنهم جميعًا ردوا على أبي حنيفة. وهذا نص تلك الرواية كما ساقها الخطيب حيث قال:"أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق، أخبرنا أبو يكر أحمد بن جعفر بن محمّد بن مسلم الختلي، قال: أملى علينا أبو العباس أحمد بن علي بن مسلم الأبار، في شهر جمادى الآخرة، من سنة ثمان وثمانين ومائتين، قال: ذكر القوم الذين ردوا على أبي حنيفة: أيوب السختياني، وجرير بن حازم، وهمام بن يحيى، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وأبو عوانة، وعبد الوارث، وسوار العنبري القاضي، ويزيد بن زريع، وعلي بن عاصم، ومالك بن أنس، وجعفر بن محمد، وعمر بن قيس، وأبو عبد الرحمن المقريء، وسعيد بن عبد العزيز، والأوزاعي، وعبد الله بن المبارك، وأبو إسحاق الفزاري، ويوسف بن أسباط، ومحمد بن جابر، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وحماد بن أبي سليمان .. وابن أبي ليلى، وحفص بن غياث، وأبو بكر بن عياش، وشريك بن عبد الله، ووكيع بن الجراح، ورتبة بن مصقله، والفضل بن موسى، وعيسى بن يونس، والحجاج بن أرطاة، ومالك بن مغول، والقاسم بن حبيب، وابن شبرمة"(١).