للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

على الكاتب بين الناس، وجعلت ذلك أصنافًا، ذكرت في كل صنف فيها اختلاف الناس في الحكم في ذلك، وفي رسم الكتاب فيه، وبينت حجة كل فريقٍ منهم، وذكرت ما صح عندي من مذاهبهم، وما رسموا به كتبهم في ذلك، والله أسأله التوفيق، فإنه لا حول ولا قوة إلا به".

ثم قال: "وما يمنعه من الاجتهاد وقد تحققت له أدواته، واكتملت له عدته، فهو حافظ، واسع الاطلاع، دقيق الفهم، متنوع الثقافة، جمع إلى معرفة الحديث ونقلته، والعلم بالروايات وعللها علمًا بالفقه والعربية، وتمكنا منها كلها، وتبحرًا فيها".

وقال أيضًا: "وأما قول ابن كمال باشا في بعض رسائله: إن الطحاوي في طبقة من يقدر على الاجتهاد في المسائل التي لا رواية فيها, ولا يقدر على صاحب المذهب، لا في الفروع ولا في الأصول، فقد رده الإِمام اللكنوي المتوفى سنة (١٣٠٤ هـ) في (الفوائد البهية) (ص ٢٦) فقال (١): إن الإمام الطحاوي له درجة عالية، ورتبة شامخة، قد خالف بها صاحب المذهب في كثير من الأصول والفروع، ومن طالع (شرح معاني الآثار) وغيره من مصنفاته يجده يختار خلاف ما اختاره صاحب المذهب كثيرًا إذا كان ما يدل عليه قويًّا، فالحق أنه من المجتهدين المنتسبين الذين ينتسبون إلى إمام معين من المجتهدين، لكن لا يقلدونه لا في الفروع ولا في الأصول، لكونهم متصفين بالاجتهاد، وإنما انتسبوا إليه لسلوكهم طريقه في الاجتهاد، إن انحط عن ذلك، فهو من المجتهدين في المذهب القادرين على استخراج الأحكام من القواعد التي قررها الإِمام ولا تنحط مرتبته عن هذه المرتبة أبدًا على رغم أنف من جعله منحطًا.

وما أحسن كلام المولى عبد العزيز المحدث الدهلوي في (بستان المحدثين) حيث قال ما مُعَرَّبه: إن مختصر الطحاوي يدل على أنه كان مجتهدًا، ولم يكن مقلدًا للمذهب الحنفي تقليدًا محضًا، فإنه اختار فيه أشياء تخالف مذهب أبي حنيفة لما لاح له من الأدلة القوية، انتهى. وبالجملة فهو في طبقة أبي يوسف ومحمد لا ينحط عن مرتبتهما في القول المسدد.

وقال شهاب الدين المرجاني المتوفى سنة (١٣٠٦ هـ) كما في (حسن التقاضي) ص ١٠٩ تعليقًا على مقالة ابن كمال باشا في محمد الطحاوي والخصاف والكرخي من الطبقة الثالثة الذين لا يقدرون على مخالفة أبي حنيفة لا في الأصول ولا في الفروع: إنه ليس بشيء، فإن ما خالفوه فيه من المسائل لا يعد ولا يحصى، ولهم اختيارات في الأصول والفروع، وأقوالُ مستنبطة بالقياس والمسموع واحتجاجات بالمعقول والمنقول على ما لا يخفى على من تتبع كتب الفقه والخلافيات والأصول.

وقال صاحب الحاوي المتوفى سنة (١٣٧١ هـ) في "الإشفاق" ص (٤١): وهو لا شك ممن بلغ مرتبة الاجتهاد المطلق وإن حافظ على انتسابه إلى أبي حنيفة".

قال شعيب تحت عنوان أقوال أهل العلم في


(١) ما نقلناه آنفًا من كتاب "الفوائد البهية" مخالف لما نقله شعيب الأرنؤوط عن مؤلف الفوائد نفسه فليحرر.