للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وإن كان قد وثقه ابن معين وابن حبان (١)، فقد نقبل حديثه إن لم يكن هناك تهمة، أما هنا فالتهمة قائمة وهي طعن الأقران، والخلاف المذهبي. ومن هنا فنرد روايته هنا، وإن كانت مقبولة في موضوع آخر.

وأما من ناحية المتن فإن ما نقل عن ورع أبي حنيفة وتقواه وشدة ديانته تأبى أن يصدر منه مثل هذا، وهل يتجرأ أحد من الأئمة على هذا الكلام؟ لا شك أن الحسد والخلاف دعا إلى مثل هذا الانزلاق.

وأما من ناحية الموضوع فإن التهجم على أهل الرأي واضح وهذا معهود عند المحدثين غير الفقهاء, لأنهم يجهلون غالبًا أصول الرأي وقواعده عند أهل الرأي من أهل السنة، أما فقهاؤهم الذين يعرفون للاجتهاد قيمة وللرأي مقامه فلا ينكرون عليهم، فهذا الإمام أحمد بن حنبل يقول: "ما زلنا نلعن أهل الرأي ويلعنوننا حتى جالسنا الشافعي" وقال أيضًا: "اعلموا رحمكم الله أن الرجل من أهل العلم إذا منحه الله شيئًا من العلم وحرمه قرناؤه وأشكاله حسدوه فرموه بما ليس فيه، وبئست الخصلة في أهل العلم" (٢).

فالقضية إذن قضية حسد أقران وهذا اتفق العلماء على أن جرح الأقران وطعنهم غير مقبول، وكذلك إذا كان الجرح مبنيًّا على أساس خلاف مذهبي فإنه غير مقبول أيضًا كما سيأتي في موضعه إن شاء الله).

ثم قال ابن حبان نقله الدكتور الحارثي: (كان رجلًا جدلًا ظاهر الورع لم يكن الحديث صناعته، حدث بمائة وثلاثين حديثًا مسانيد ماله حديث في الدنيا غيرها أخطأ منها في مائة وعشرين حديثًا، أمّا أن يكون أقلب إسناده أو غير متنه من حيث لا يعلم، فلما غلب خطأه على صوابه استحق ترك الاحتجاج به في الأخبار.

ومن جهة أخرى لا يجوز الاحتجاج به لأنه كان داعيًا إلى الإرجاء، والداعية إلى البدع لا يجوز أن يحتج به عند أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم خلافًا، على أن أئمة المسلمين وأهل الورع في الدين في جميع الأمصار وسائر الأقطار جرحوه وأطلقوا عليه القدح إلا الواحد بعد الواحد.

قد ذكرنا ما روى فيه من ذلك في كتاب "التنبيه على التمويه" فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب، غير أني أذكر منها جملًا يستدل بها على ما وراءها" (٣).

هذا كلام ابن حبان وهو المسؤول عنه مسؤولية كاملة لأنه يلخص أولًا ما اعتقد وجوده في أبي حنيفة ويدعى ادعاءات كلها مرفوضة وسوف نفصلها واحدة واحدة، ونرد عليها إن شاء الله.

أولًا: إن قوله أن أبا حنيفة كان ظاهر الورع، فهذا تعريض برياء أبي حنيفة، ونفاقه، وقد أثبت الأثبات والأئمة أنه لم يكن أورع من أبي حنيفة بالكوفة كما قال ذلك مسعر بن كدام كما تقدم


= للعقيلي (٤/ ٤٥٤)، والكامل (٧/ ٢٦١٤)، والميزان (٤/ ٤٦٢)، وضعفاء ابن الجوزي (٣/ ٢١٩).
(١) التهذيب (١١/ ٤٠٨)، والثقات (٧/ ٦٣٨).
(٢) مناقب الشافعي للبيهقي: (٢/ ١٥٩).
(٣) المجروحين: (٣/ ٦١ - ٦٤).