وأثنى الكثيرون من الأئمة على ورعه.
ثانيًا: وأما قوله: "لم يكن الحديث صناعته" فهذا خلاف ما هو المتعارف عليه عند جميع الأئمة أن الفقيه لا يكون فقيهًا إلا إذا أخذ الكتاب والسنة وتفقه فيهما وعلم أصول ذلك تمامًا وغلا فلا يصلح أن يكون فقيهًا، وكيف يسلم الناس له بالفقه وهو لا يعرف صناعة الحديث؟ .
وكيف يقول الشافعي -فيما ثبت عنه- الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة، وأبو حنيفة لا علم له بالحديث؟ هذا كلام متناقض مرفوض.
ثالثًا: قوله حدث بمائة وثلاثين حديثًا مسانيد ما له حديث في الدنيا غيرها فهذا خطأ لا يجوز أن يصدر من محدث كابن حبان، فكلامه هذا إما أنه لم يطلع على مسند أبي حنيفة، وإما أنه يتعمد هذا الغض من مكانة أبي حنيفة في علم الحديث، ونحن بمجرد نظرنا فيما طبع فقط من مسند أبي حنيفة نجد أنه أكثر من خمسمائة حديث، كما سنعرض لها في فصل خاص إن شاء الله.
رابعًا: قوله: "ما له حديث في الدنيا غيرها" فهذا أيضًا قول باطل يخالفه الواقع المشهور والملموس.
خامسًا: قوله: "أخطأ منها في مائة وعشرين حديثًا" هذا أيضًا تهجم بلا دليل وكلام مجمل لا يقبل، فلماذا لم يضع ابن حبان أيدينا على عشرة من هذه الأحاديث التي أخطأ فيها؟ أليس هذا تعمد للتجريح بلا دليل؟ أليس هذا خروجًا عن طريق السلف الذين لا يتهمون إلا بدليل ولا يجرحون إلا من يستحق الجرح؟ وسوف نفصل الرد على هذا في بابه أيضًا إن شاء الله.
سادسًا: أما قوله "إما أن يكون قلب إسناده أو غير متنه من حيث لا يعلم" فهذا كلام يستحيي أن يرد عليه لأنه صادر من مثل ابن حبان، ولكن الحق يعلو ولا يعلى عليه، فكيف يقلب أبو حنيفة الأسانيد وهو لم يرو إلا عن تابعي عن صحابي، فهل من المعقول أن يروي أبو حنيفة عن ابن عباس عن عكرمة أو عن أنس عن قتادة أو عن النخعي عن ابن مسعود؟ من يتصور هذا من عامي أو مبتدئ في علم الحديث لا من إمام من الأئمة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله ألم يجدوا غير هذا؟ ولكن هكذا شاءت إرادة الله أن تكون الشبهات حول هذا الإِمام كلها واهية لا يصدقها منصف أبدًا.
ثم إنه كيف وهو الفقيه يغير متن الحديث من حيث لا يعلم، هل يحصل هذا من إمام؟ وما هو الدليل على ذلك؟ لماذا لم يذكر لنا ابن حبان حديثًا واحدًا مثالًا على ذلك؟ هذا اتهام خطير دون دليل، بل لا يقوى أحد على إيجاد الدليل.
سابعًا: قوله "فلما غلب خطؤه على صوابه استحق الترك والاحتجاج به في الأخبار" هذا مبني على ما تقدم من كلامه وقد بطل كل ما قاله وما بني على باطل فهو باطل.
ثامنًا: وقوله: "ومن جهة أخرى لا يجوز الاحتجاج به لأنه كان داعيًا إلى الإرجاء" هذا تمويه وتضليل فكأن الأمر قد ثبت ولصق بأبي حنيفة فهو يقرر حقيقة ثابتة لا تحتمل الخلاف، هل يجوز هذا وهو أول إمام من أئمة أهل السنة الذين اقتدت بهم الأمة الإِسلامية. وسوف يأتي رد المزاعم التي تزعم أن أبا حنيفة كان مرجئًا أو جهميًا مع أنه كان يكفر الجهمية.