للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تاسعًا: وقوله: "والداعية إلى البدع لا يجوز أن يحتج به عن أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم خلافًا" هذا أيضًا تمويه وتضليل، نعم إنهم اتفقوا على ذلك ولكن هل ابن حبان على يقين أن هذا ثابت عن أبي حنيفة وهو الذي قرأ كتبه، وإن لم يكن قرأها فقد حكم على مسلم وهو جاهل وكلا الأمرين مر كما قال الشاعر:

إن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... أو كنت تدري فالمصيبة أعظم

عاشرًا: وأما قوله: "على أن أئمة المسلمين وأهل الورع في الدين في جميع الأمصار وسائر الأقطار جرحوه وأطلقوا عليه القدح إلا الواحد بعد الواحد" فهذا كلام غير مسلم فقد ذهب المنصفون من أهل عصره إلى الثناء عليه وعلى دينه وورعه وعلمه وإمامته فكيف يدعى هذا؟ لا شك أن ابن حبان قد أخذ به التعصب مأخذه حين كتب هذا, ولم يراجع نفسه ولو مرة واحدة، ولم ينظر فيما قاله غيره إلا من نحا نحوه. نسأل الله السلامة.

حادي عشر: يبدو أن ابن حبان مصر جدًّا على قوله هذا كله دون اعتذار بل إنه أخيرًا يريد منا أن نقرأ أكثر من هذا فيدلنا على كتاب ألفه خصيصًا لجرح أبي حنيفة فيطلب منا أن نقرأ كتابه "التنبيه على التمويه" وقد رأينا أن ادعاءاته كلها تمويه تحتاج إلى ألف تنبيه. ثم بعد هذا يسرد ابن حبان أحاديث خالفها الإمام أبو حنيفة، ولكنه يسردها بحكايات تزعم قلة أدب أبي حنيفة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، كقوله لما ذكر حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "هذا حديث خرافة" (١) وقوله: "هذا هذيان" (٢) وقوله: "لا يسوى شيئًا" (٣) وأسوأ من هذا يزعمون أن أبا حنيفة حدثه الأعمش بحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "بل على هذا". ونحن نستغفر الله من هذا النقل، ونستغفر الله لذكره، في هذا الكتاب، ولكن ذكرته لأنبه على تطرف النقلة وتعصبهم ضد أبي حنيفة الذين هم ينقلون عنه أنه كان ورعًا تقيًّا يقوم الليل أربعين سنة، ثم يقول كلمة لا يقولها طفل مسلم ولا يجرأ عليها مهما جهل، حتى الأحاديث الموضوعة لا نجرأ أن نقول عليها هكذا لأننا لا ندري فلعل الكاذب يصدق (٤). فهل كان أبو حنيفة في هذه الدرجة من قلة الأدب -أستغفر الله- هذا لا يجوز بأي حال من الأحوال وما أشك لحظة واحدة في عدم صحة هذا الخبر عنه ولو كان الرواة ثقات علمًا بأن الرواية هذه ليست بصحيحة فإن فيها يحيى بن عبد الله بن ماهان قال عنه الأزدي: لا يحتج له ولا يروى عن أحد إلا عن شيخه محمّد بن سعيد الكريزي وهو متروك أيضًا واتهمه ابن عدي بالكذب، وإنما تعرضت لشيخه لأنه لم يدرك ابن عيينة (٥).

أترى يعرف ابن حبان ضعف هذا الرجل واتهامه أو اتهام شيخه أم لا يعرف؟ لا شك أنه


(١) المجروحين (٣/ ٧٠).
(٢) المرجع السابق.
(٣) المرجع السابق (٣/ ٦٦).
(٤) المرجع السابق (٣/ ٧٠).
(٥) لسان الميزان: (٦/ ٢٦٥)، وانظر ترجمة شيخه في (٥/ ١٧٦).