للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يعرف ولكنه أصر على هذه الرواية.

وقال ابن حبان:

"أخبرنا الحسين بن إدريس الأنصاري قال: حدثنا محمَّد بن علي الثقيفي قال: سمعت إبراهيم بن شماس يقول: ترك ابن المبارك أبا حنيفة آخر أمره" (١).

وهذا ادعاء لا يصح ولا يقاوم ما تقدم من توثيق ابن المبارك له والدفاع عنه، وأما هذه الرواية فإن فيها من لا يحتج به ويرى الأباطيل، قال ابن أبي حاتم كتب إلى بحزء من حديثه فأول حديث باطل والثاني باطل والثالث ذكرته لعلي بن الجنيد فقال: أحلف إنه حديث باطل وليس له أصل (٢).

كما ضعفه الهيثمي أيضًا (٣). ولم يوثقه إلا ابن حبان وذكره في الثقات (٤) والمعروف عند علماء الجرح والتعديل أن ابن حبان لا يؤخذ قوله في هذا لأنه متساهل في التعديل والتجريح كما سيأتي.

وقال ابن حبان:

"أخبرني محمّد بن المنذر قال حدثنا عثمان بن سعيد قال حدثنا أبو الربيع الزهراني قال سمعت حماد بن زيد يقول: سمعت أبا حنيفة يقول: لم أكد ألقى شيخًا إلا أدخلت عليه ما ليس من حديثه إلا هشام بن عروة" (٥).

ويظن ابن حبان أن هذا اعتراف من أبي حنيفة بالكذب في الحديث والتدليس الخطير وتحريف الكلم عن مواضعه.

ولكنه يدري أن هذا الإسناد مظلم أظلم من الظلمات الثلاث، ولا ندري لماذا أوردها وهو يعلم أن كتابه هذا لا يتناوله إلا أهل التخصص في الرجال والرجوع إلى رجال الإسناد أول أمر يقوم به الباحث المنصف المتخصص ولذا فإنك تجد في هذا الإسناد ضعفاء ولكنهم ليسوا مثل أبي الربيع الراوي عن حماد بن زيد فهو ليس ضعيفًا فحسب، وإنما هو متهم بالبواطيل والكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن يكذب على حماد بن زيد فهذا ليس بشيء.

وبناء على ذلك فإن ابن حبان لا تقوم له حجة مطلقًا في كل ما ذكره من جرح أبي حنيفة وإلصاق التهم الخطيرة به ونسبة الطامات إليه بل إننا نرى أبا حنيفة يظل شامخ الرأس لا تناله حجارة المتعصبين ولا يؤثر فيه الأفاكون المتحللون.

خامسًا: قول إمام الحرمين الجويني:

وكلام إمام الحرمين في أبي حنيفة من نوع آخر، وفي حماس مختلف عما نقلناه عن أهل الحديث فقد يحرج المحدث أن يقول كلمة في قرينه خشية أن يفهم منها أنه حسود أو متهجم، وأما الذي يتعصب لمذهب ما فإنه يجد لنفسه مندوحة في التهجم تسترًا وراء نصرته للحق والدليل


(١) المجروحين: (٣/ ٧١).
(٢) لسان الميزان: (٢/ ٢٧٢)، وسير أعلام النبلاء (١٤/ ١١٣).
(٣) وانظر ميزان الاعتدال (١/ ٥٣٠)، والعبر (٣/ ١١٩)، والوافي بالوفيات (١٢/ ٣٤٠)، وتبصير المنتبه (١/ ٤٣٢).
(٤) الثقات (٨/ ١٩٣).
(٥) المجروحين: (٣/ ٧٢).