للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والبرهان.

ومن هنا فإن الجويني اشتد في التعصب المذهبي حتى خرج عن حد الاعتدال فقال في كتابه "مغيث الخلق" (١) مثله في كتابه البرهان (٢):

"بل أصول أبي حنيفة أبعد عن الوفاء من أصول الشافعي - رضي الله عنه - فإن المذاهب تمتحن بسياقها في قيادها وله يتبين صحتها من فسادها، وكذا المذاهب تمتحن بأصولها فإن الفروع تستند إليها وتشتد باشتدادها" ثم يقول أيضًا: "وأن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان بضاعته في الحديث مزجاة، والذي يدل عليه أن أصحاب الحديث شددوا النكير عليه قالوا: إن أقوامًا أعوزهم حفظ أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستعملوا الرأي فضلوا وأضلوا" إلى أن يأتي بطامة فيقول في البرهان: وأبو حنيفة لا يعرف القياس أصلًا، ولا دراية له بالأصول.

سادسًا: قول ابن عدي:

قال ابن عدي: أخبرنا عبد الله بن محمّد بن حبان بن مقير أخبرنا محمود بن غيلان ثنا مؤمل قال: كنت مع سفيان الثوري في الحجر فجاء رجل فسأله عن مسألة فأجاب، فقال الرجل: إن أبا حنيفة قال هذا وكذا فأخذ سفيان نعليه حتى خرق الطواف ثم قال: لا ثقة ولا مأمون (٣).

وابن عدي رحمه الله يبتدئ ترجمة أبي حنيفة بهذا الخبر على طريقة ابن حبان، ولكنه في الصفحة التي بعدها يذكر رواية تنقض كل ما رواه عن سفيان الثوري - إن صح الكلام عنه - وإن لم يصح فنحن في غنى عن ترجمة رجال الإسناد.

فقد قال ابن عدي: حدثنا محمّد بن القاسم سمعت الخليل بن خالد -يعرف بأبي هند- يقول: سمعت عبد الصمد بن حسان يقول: كان بين سفيان والثوري وأبي حنيفة شيء فكان أبو حنيفة أكفهما لسانًا (٤).

أليست هذه الرواية تضع لنا كل ما روى عن سفيان الثوري وصح عنه في زاوية واحدة، وهي طعن الأقران وأن ذلك مصدره التنافس، فالطبيعة البشرية لا بد أن تظهر هنا ولا بد أن تؤثر إلا على من عصمه الله.

وهكذا نقول في كل الروايات التي ساقها ابن عدي، ولكن الثوري رحمه الله يوقع نفسه في حرج بالغ، فإنه لما قال هذا قاله أثناء التنافس ولكنه لما تصدر للعلم روى عن أبي حنيفة دون أن يذكره، فهو وإن أنف من ذكر أبي حنيفة في إسناده حيث أرسل عنه لما ذهب إلى اليمن (٥) فكيف يدعى أن حديث المرتدة لا يروى عن ثقة ثم هو يرسله عن عاصم الذي يروي عنه أبو حنيفة ولا يرويه عنه غيره. أليس هذا دليل على حكم الثوري بصحة الحديث، وإن لم يعتقد صحته فكيف يروي حديثًا ليس صحيحًا فهو وقع بين أمرين لا مفر منهما والنتيجة الظاهرة أنه يصحح الحديث ويثق بأبي حنيفة إلا أن التنافس


(١) مغيث الخلق: (ص ٣٣).
(٢) البرهان في أصول الفقه -لإمام الحرمين- الجويني، تحقيق عبد العظيم الديب: (٢/ ٤٧١).
(٣) الكامل: (٧/ ٢٤٧٢).
(٤) الكامل: (٧/ ٢٧٧٣).
(٥) الكامل: (٧/ ٢٤٧٢).