للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن عدي:

حدثنا أحمد بن حفص ثنا أحمد بن سعيد الدارمي قال: سمعت النضر بن شميل يقول: كان أبو حنيفة متروك الحديث ليس بثقة (١).

أيضًا هذه الرواية فيها أحمد بن حفص وهو منكر الحديث، فكيف يؤخذ بكلامه للشهادة على إمام كبير له حساده ومخالفوه.

وهكذا يستمر ابن عدي في سياقة ما قاله ابن حبان ولكنه يختتم جولته وصولته بكلام يضرب بكل كلامه عرض الحائط فيقول: حدثنا أحمد بن محمد بن عبيدة ثنا المزني إسماعيل بن يحيى ثنا علي بن معين عن عبيد الله بن عمر الخرزي قال: قال الأعمش: يا أبا النعمان يعني أبا حنيفة ما تقول في كذا؟ قال: كذا، قال: من أين قلت؟ قال: أنت حدثتني عن فلان عنه، فقال الأعمش: يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة" (٢).

وهذه شهادة نصرخ بها في وجه هؤلاء الذين يدعون الحديث ويضعفون أبا حنيفة ونقول لهم: يا معشر الصيادلة لا تتعدوا حدودكم فلا عمل لكم لولا الأطباء ولا ثقة بكم لولا الأطباء فماذا يفعل الناس بالقمح لولا الخبازون وما يفعل الناس بالحجارة لولا البناؤون.

وهذا مثل ما روى أن الشافعي كان بحضرة عمرو بن علي فقام رجل فقال: ما رأيك فيمن يرد حديث رسول الله فقال: لا فقه له، فقال الشافعي: يا عمرو بن علي: ما صناعتك؟ قال: الحديث، قال: فلا تتكلم في غيره (٣).

وهذه كلمة حق يغفل عنها كثيرون فيجب أن توضع على رؤوس صفحات كتب الحديث كلها حتى لا يفتر أحد بكل ما قيل في الفقهاء الأئمة وخاصة أبا حنيفة.

فالكلام في الحديث لا يقتصر إلا على الحديث ولا يجوز التعدي إلى غيره إلا لمن أتقن أدوات الاجتهاد وملك ناصية العلوم فتأبطها فإن لم يكن كذلك فلا يجوز له أن يصدر الأحكام من متن الحديث ولا الآية أيضًا لأنه لا يجوز إصدار الأحكام إلا من فقيه مجتهد، وما سوى ذلك فلينظر لنفسه أولى من أن يتهجم على العلماء كما قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.

وإلى هنا بإمكاننا أن نقفل باب التجريح الذي فتحه بعض هؤلاء وعلى رأسهم ابن حبان وابن عدي والخطيب، ونقول إنه بعد كل هذا النقاش لم يثبت من كلامهم شيء).

ثم ذكر الدكتور محمد الحارثي في بحث له بعد ذلك حصر ألفاظ التجريح وردها، أي في الأصول التي يعتمد عليها في الجرح والنقول بين العلماء على أساس التعصب المذهبي وجرح الأقران وما يجب الاعتماد عليه وما ليس بالإمكان، لكي يوجه قول العلماء في أبي حنيفة الذين عاصروه وقال فيه الكلام على مختلف الجرح فيه ... فقال في آخر بحثه هذا: (أخيرًا فإننا إذا نظرنا إلى كلام من جرحوه وجدناه كلامًا عامًا مجملًا غير مفسر كما أنه نابع من التعصب أو


(١) الكامل: (٧/ ٢٤٧٤).
(٢) الكامل: (٧/ ٢٤٧٤).
(٣) مناقب الشافعي للبيهقي: (٢/ ٤٢٢).