للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تنافس الأقران، بينما نجد الأئمة الكبار وثقوه وأثنوا عليه، بل يكفي ثناء المخالفين له كابن عبد البر وابن السبكي والسيوطي وغيرهم من الأئمة المنصفين وكفى بذلك ردًّا على هؤلاء).

ثم حصر بقية الشبهات المثارة حول الإمام أبي حنيفة ونقدها موضوعيًا، من ناحية الإيمان, والإرجاء، والجهمية، وقوله بخلق القرآن، واتهامه بالتهجم على الحديث ورده، وتجويز الخروج على السلطان، نذكر قول الدكتور الحارثي بنصه:

(أولًا: اتهامه في قضايا الإيمان:

تقدم معنا النقل عن الخطيب أنه روى عن الثوري قال: نحن المؤمنون وأهل القبلة عندنا مؤمنون في الأنكحة والمواريث والصلاة والإقرار، ولنا ذنوب ولا ندري ما حالنا عند الله، ثم قال وقال أبو حنيفة من قال بقول سفيان فهو شاك، نحن المؤمنون وعند الله حقًّا، قال وكيع ونحن نقول بقول سفيان وقول أبي حنيفة عندنا جرأة".

ولرد هذه الشبهة المثارة -وإن لم تكن شبهة في الواقع إلا أن الخطيب أراد أن يثيرها زوبعة للتكثير من الثرثرة، على قاعدة: قد قيل- نقول: إن هذه مسألة خلافية لم يقل بها أبو حنيفة وحده وإنما سبقه إلى ذلك ابن مسعود - رضي الله عنه - وكثير من التابعين وتابعهم من السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين، وهؤلاء يقولون: إن الإيمان هو التصديق ولا يكون تصديق إلا بالمعرفة والمعرفة لا تكون مع الشك إنما تكون مع اليقين، وإذا ثبت هذا فنحن المؤمنون هنا وعند الله, لأن المعرفة لا تختلف لأن من عرف هنا كان عارفًا عند الله لأن المعرفة ترفع الجهل" (١) (٢).

أقول: والمسألة الخلاف فيها لفظي، فالثوري لا ينكر كونه مؤمنًا، كما أن أبا حنيفة لا ينفي عنه الإيمان, وغاية ما هنالك أن أبا حنيفة يريد تقرير الأحكام التي تبنى عليها القواعد وذلك يحتاج إلى تعيين. ومع هذا فقد أثبت العلماء كون الخلاف لفظيًّا منذ الخطيب وقبل الخطيب ولا شك أن الخطيب يعرف هذا، ومع هذا أراد أن يثير هذه الزوبعة، ولكن يذكر إسنادًا لكي يبرأ من العهدة، وما هو ببريء حيث إن كل الذين ردوا عليه أو درسوا أقواله يلزمونه قضية هامة وهي أنه يكذب الرجل أثناء ترجمته ثم هو ينقل تلك الأقوال وفيها ذلك الكذاب مع علمه بذاك؟ فما الذي جرحه هناك وعدله هنا, ولماذا لم ينبه على الإسناد إذا كان مظلمًا أو فيه ضعيف كما فعل في النقول التي تثنى على أبي حنيفة؟ وكلامنا هذا ينطبق على كل الشبهات التي أثارها الخطيب سامحه الله.

ثم إن هذه القضية مرفوضة من أساسها، حيث إنه أجمعت الأمة على أن مذهب أبي حنيفة أحد وأول المذاهب الأربعة التي يعمل بها أهل السنة والجماعة، وأهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية بإذن الله حيث ليس لهم مخالفة لكتاب أو


(١) نقل الدكتور محمّد الحارثي هذا القول وما بعده من الأقوال من كتاب: "الرد على الخطيب" ويسمى "السهم المصيب في كبد الخطيب" للسلطان أبي المظفر عيسى بن سيف الدين الحنفي - من دار الكتب العلمية - بيروت.
وسوف نذكر الإحالات من خلال الرسالة دون الرجوع عليها- تنبيه.
(٢) الرد على الخطيب: (ص ٥١ - ٥٢).