سنة، وأهل السنة والجماعة هم أهل الحق من جميع الملل بلا ريب، فلا يجوز لنا أن نختلف في شيء لأجل التعصب أو الأهواء أو لمجرد نزعات شخصية فالإسلام غير هذا قطعًا.
ومن القضايا التي تتعلق بالإيمان أيضًا، ما ذكره الخطيب عن الحسن بن محمّد الخلال بإسناده إلى محمّد الباغندي حدثنا أبي قال: كنت عند عبد الله بن الزبير فأتاه كتاب أحمد بن حنبل: اكتب إلي بأشنع مسألة عن أبي حنيفة، فكتب إليه حدثني الحارث بن عجير قال سمعت أبا حنيفة -وسئل-: لو أن رجلًا قال أعرف أن لله بيتًا ولا أدري هو الذي بمكة أو غيره أو مؤمن هو؟ قال نعم! ولو أن رجلًا قال أعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات ولا أدري دفن بالمدينة أو غيرها؟ أمؤمن هو؟ قال: نعم. ثم ينقل الخطيب قول الحميدي ليزيد الأمر شناعة فيقول: قال الحميدي: من قال بهذا فقد كفر، قال: وكان سفيان يحدث به عن حمزة بن الحارث. انتهى.
قال الملك ابن المظفر:"فهذا القول لم ينقله أحد من أصحاب أبي حنيفة ولا رووا عنه هذا فلو كان صحيحًا لنقل كما نقلت جميع مسائله، ولكني أقول: ما تقول في اليهود أصحاب موسى لما جهلوا قبر موسى - عليه السلام - أضرهم ذلك؟ لا. لأنهم عرفوا أن موسى نبي حقًّا فأما جهالة القبر لا تضر بدليل أن من لم يزر المدينة ولم يحج لا يعرف القبر ولا البيت ومع ذلك لم يقدح في إيمانه، ومن زار المدينة فالحجرة الشريفة حائلة بينه وبين مكان القبر حقيقة من جهة التربيع فمن ذهب إلى قول الحميدي وسفيان احتاج أن يعرف بيوت مكة والمدينة وصقاعها وحدائقها على ما كانا عليه في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم"(١).
أقول: وإلى جانب ما قال الملك أبو المظفر وغيره فإن الإسناد إلى سفيان مظلم ومنقطع كما تقدم. وكذلك فإنهم ذموا في الإمام أحمد من حيث لا يشعرون لأنهم نسبوا إليه البحث عن عيوب الأئمة، ونحن نجزم جزمًا قاطعًا بأن الإمام أحمد لم يقل بهذا لاعتقادنا الجازم بديانة هذا الإِمام وتقواه وورعه الشديدين أن يبحث عن مسألة شنيعة من مسائل أبي حنيفة وهو الذي يعتقد إمامة أبي حنيفة وشموخه في العلم ورسوخه في الفتوى، ولو أن ابن حنبل رحمه الله سأل عن أدق مسألة أو أعجب مسألة لصدقنا وآمنا، أما أن يسأل عن أشنع مسألة فهذا بعيد كل البعد عن أخلاق الإمام أحمد وتقواه وورعه.
ومنها أيضًا قول الخطيب فيما ينقله عن محمد بن الحسين بن الفضل بن القطان إلى يحيى بن حمزة أن أبا حنيفة قال: لو أن رجلًا عبد هذه النعل يتقرب بها إلى الله لم أرَ بذلك بأسًا.
قال الملك أبو المظفر: "فهذا لم ينقله أحد من أصحاب أبي حنيفة، واعلم أن أصحاب الإنسان أعرف به من الأجنبي، ثم اعلم أن مذهب أبي حنيفة له أصول وقواعد وشروط لا يخرج عنها، فأما أصول مذهبه - رضي الله عنه - فإنه يرى الأخذ بالقرآن والآثار ما وجد إلى ذلك سبيلًا، وقواعده ألا يفرق بين الخبرين أو الآية والخبر مهما أمكن الجمع بينهما إلا إن ثبت ناسخًا أو منسوخًا وشروطه أن لا يعدل عنهما إلا أن يجد فيهما