للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شيئًا فيعدل إلى أقوال الصحابة الملائمة للقرآن والسنة وإن اختلفوا تخير ما كان أقرب إلى الكتابة والسنة، فهذا عليه إجماع أصحاب أبي حنيفة وهم إن أعددت المدرسين منهم في عصر واحد وجدتهم أكثر من إسناد الخطيب منه إلى أبي حنيفة رحمه الله، واعلم أن أخبار الآحاد المروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - توجب العمل لأجل الاحتياط في الدين ولا توجب العلم، وأخبار التواتر توجب العمل والعلم معًا، فكيف بك عن أخبار الخطيب هذه التي لا تكاد تنفك عن قائل يقول فيها، فإذا نازلنا الأمر وساوينا قلنا أخباره أخبار آحاد وأخبار أصحاب أبي حنيفة متواترة والعمل بالمتواتر أولى، وقد ثبت مذهب أبي حنيفة وأصوله وقواعده، فهذا ثبت أن هذه أصول أبي حنيفة فكيف يسوغ له أن يقول هذا مع علمه بقوله تعالى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: ٣] فهذا لا يصح عن أبي حنيفة رحمه الله (١).

وليس بعد هذا التعليق من تعليق إلا أن نقول: إن الإسناد لم يصح أيضًا كما تقدم وليس معنى كلام أبي المظفر التسليم بصحة الإسناد، ولكنه يفرض ذلك جدلًا مع التزام بالأدب.

ومما له علاقة بقضايا الإيمان أيضًا أنهم اتهموه بأنه شهد بالإيمان لمن فعل أكبر المعاصي. فقد مر معنا نقل الخطيب بإسناده إلى وكيع قال: اجتمع سفيان الثوري وشريك والحسن بن صالح وابن أبي ليلى فبعثوا إلى أبي حنيفة فأتاهم فقالوا له: ما تقول في رجل قتل أباه ونكح أمه وشرب الخمر في رأس أبيه؟ قال: مؤمن، فقال له ابن أبي ليلى: لا قبلت لك شهادة أبدًا، وقال له سفيان: لا كلمتك أبدًا، وقال له شريك: لو كان لي من الأمر شيء لضربت عنقك، وقال له الحسن بن صالح: وجهي من وجهك حرام أن أنظر إليه أبدًا".

فبالإضافة إلى تعليقنا على هذه القضية وإبطال إسنادها وعدم صحته، فإن الخطيب مسؤول مسؤولية كاملة عن هذه الحكاية، علمًا بأن الفرق بين المسلمين والخوارج هو تكفير أهل المعاصي.

ولذا أجاب على هذه القضية الخوارزمي وأبو المظفر وغيرهما: فقالوا: إن المتفق عليه بين العلماء أن المعصية لا تكفر ولا تخرج الإنسان من الإيمان وهذه المعاصي من أكبر الكبائر لا يكفر فاعلها، وهل نزل قرآن بعدم قبول توبة هذا الفاعل؟ العكس هو الصحيح فإن الله تعالى قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} ولا شك أن هذه المعاصي دون الشرك (٢).

وأما تعليقنا على ما نقله الخطيب زيادة على ما تقدم، فإن الخطيب نفسه يعارض هذا النقل فهو شافعي، والشافعية مثل الحنفية أصولهم تقتضي ألا يكفر أهل المعاصي، فلماذا التشنيع؟ ولماذا إيراد مثل هذه الأقوال؟ أليس في ذلك شك في نوايا الخطيب؟ أليس ذلك تصريح ولو ضمنيًا


(١) الرد إلى الخطيب: (ص ٤٥ - ٥٥).
(٢) الرد على الخطيب (٥٧).
ولا تنسى ما تقدم من أن الحسن بن صالح قال: كان النعمان بن ثابت قيما بعلمه متثبتًا فيه إذا صح الخبر عنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعدل إلى غيره. انظر الانتقاء (١٢٨).