للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بأنه يريد التعريض دون شك، ولا نريد إثبات قول قيل؟ .

ثم إن هذه الحكاية إذا صحت فإنها تعرض بهؤلاء الأئمة أيضًا وهذا ما لم ينتبه إليه الخطيب، فمعنى الحكاية أن هؤلاء الأئمة يكفرون أهل المعاصي، وهذا مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة. بل هو مخالف لما عليه هؤلاء الأئمة أنفسهم فسفيان الثوري وابن عيينة وشريك لا يكفرون أهل المعاصي، فقد روى البخاري عنهم أحاديث كثيرة تؤيد رأي أهل السنة في أنه لا يكفر العاصي ما لم يشرك باللهِ أو يفعل فعلًا يخرج الإنسان عن ربقة الدين كتمزيق المصحف وسب النبي - صلى الله عليه وسلم - (١).

ثانيًا: اتهامه بالإرجاء:

مر معنا كثير من النقول عن الخطيب تقول إن بعض العلماء قالوا عن أبي حنيفة إنه مرجئ، وأن امرأة يهم فقهت نساء أهل أبي حنيفة. كما مر معنا قول البخاري: إنه اتهم بالإرجاء.

فما معنى الإرجاء، قالوا: الإرجاء له معنيان:

إما أن لا نحكم لصاحب الكبيرة بحكم أي لا نعلم كونه من أهل النار أو من أهل الجنة؟ وإما لأنهم يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة (٢).

وللرد على هذه التهمة قالوا: هذا لا يصح بل العكس أن أبا حنيفة كان لا يجيز أو لا يرى الصلاة خلف المرجئ والجهمي ولا صاحب بدعة ولا هوى فكيف يكون منهم؟ وهذا القول في جميع كتب أصحاب أبي حنيفة محفوظة كما يحفظ الكتاب العزيز، أفيكون هذا متروكًا، ويكون المحفوظ ما جاء به آحاد الناس (٣).

أي أننا نحاسب العالم على ما كتبه في كتبه ودونه العلماء عنه، ولا نلتفت إلى غير ما دون، ولا نعتمد إلا على ما دون، ولا داعي لأكثر من هذا الكلام لأنه لا طائل من ورائه.

ثالثًا: اتهامه بأنه جهمي:

لا بد أن نذكر معنى الجهمي ومن هم الجهمية؟ فالجهمية هم أصحاب جهم بن صفوان وهو جبري خالص، أي يزعمون أن الإنسان لا قيمة لفعله فالطاعات من الله وكذا المعاصي ويوافقون المعتزلة في نفي الصفات الأزلية (٤) وهذه أيضًا تهمة باطلة، فإلى جانب ما نقلناه آنفًا عن أبي حنيفة أنه لا يجيز الصلاة خلف المرجئ والجهمي، فإن أبا حنيفة يصرح ببدعة جهم ويكاد أن يخرجه من ربقة الإِسلام، حيث قال: قاتل الله جهم بن صفوان ومقاتل بن سليمان هذا أفرط في النفي وهذا أفرط في التشبيه.

فبأي الأقوال نأخذ لو كان عندنا شيء من الإنصاف؟ نأخذ بقول لم يصح بإسناده أو صح ولكنه تحامل من البعض، أم نأخذ بقول تواتر


(١) "حاشية العطار على جمع الجوامع". ط. مصطفى الحلبي. مع تقريرات الشيخ الشربيني- ط. الأولى، سنة (١٣٨٤ هـ): (٢/ ٣٨٥).
(٢) "الملل والنحل" للشهرستاني -أبي الفتح محمّد بن عبد الكريم- تحقيق الشيخ أحمد فهمي محمد- مطبعة الحجازي بالقاهرة، (١٣٨٦ هـ): (١/ ٢٢٢).
(٣) الرد على الخطيب (٥٧).
(٤) الملل والنحل (١/ ١١٣).