للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عنه ونقل عنه ضده؟

لا شك أن الذي يؤخذ من الإنسان ما اعترف به وشهد به على نفسه ودان الله به، فإن كان مخالفًا لذلك فلا بد من صحة الاتهام أو اشتهار ذلك عنه، حتى نصدق الاتهام ونكذب المتهم.

وقد رأينا أن شيئًا من ذلك لم يثبت.

رابعًا: اتهامه بالقول بخلق القرآن:

تقدم نقل الخطيب أنه قال: إنه قال بخلق القرآن وهو أول من قال به، ثم قال وقيل: إنه لم يكن يذهب والمشهور عنه أنه كان يقوله واستتيب منه.

وللرد على هذا بقول الملك أبو المظفر: "وهذا دليل على كذب الخطيب, لأن المشهور عنه ما نفى الجهل عن عامة الناس. والمروي عن أبي حنيفة من كل عصر وهم أكثر من أن يحصوا وكلهم يروي عن أبي حنيفة أنه لا يصلي خلف من يقول: بخلق القرآن، فترى أي شهرة أوجبت له ما ذكر" ثم يقول: ولا شك أن أبا حنيفة ناظر المعتزلة في خلق أفعال العباد حيث قال لمناظره: إن كان فعلك بأمرك فأخرج البول من موضع الغائط والغائط من موضع البول، فانقطع، فضحك أبو حنيفة فقال المعتزلي: أتناظرني في العلم وتضحك والله لا كلمتك بعد اليوم فلم ير أبو حنيفة بعد ذلك اليوم ضاحكًا، وهذه المسألة أخذها أبو حنيفة من قول الله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} والمعتزلي إنما اعتزل حلقة الحسن البصري فكيف لقائل أن يقول إن أبا حنيفة أول من تكلم بهذا" (١) وهكذا نرى أن هذه التهمة هي مجرد إلصاق تهمة لأجل التشنيع والخطيب أول من يعلم براءة أبي حنيفة منها.

خامسًا: اتهامه بالتهجم على الحديث النبوي ورده:

مر معنا في الفصل السابق أن الخطيب في نقله يتهم أبا حنيفة برد الأحاديث النبوية أو يتهجم على الحديث، وخاصة ما نقله عن الفزاري أنه قال: سألت أبا حنيفة عن مسألة فأجاب فقلت: روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا في هذا؟ فقال له أبو حنيفة: حك هذا بذنب خنزير. ومسائل أخرى يزعم الخطيب أن أبا حنيفة رد الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وسبق الجواب عنها مفصلًا وعلى أسانيدها أيضًا.

وقد ذهب العلماء جميعًا أنه كلام باطل لا يجاب عنه إلا إذا ذكر المسألة وذكر الحديث حتى نعلم ما الذي رده أبو حنيفة، ولكنا بينا -في حينه- بطلان الإسناد في هذه الأخبار كلها، كما هي الطريقة عند أهل الحديث، حيث لا بد من صحة السند أولًا، ثم بيان الموضوع المتهم فيه حتى لا يصدر الحكم، وإلا فيعد هذيان لا يصح، فالبينة لا بد من ذكرها وإيضاحها، والاتهام لا بد أن يعين، فهل يجوز الادعاء بمجهول، هذا لا يفعله عاقل، كما لا يصدقه عاقل (٢)، وقد رأينا عشرات الأخبار يتهم فيها الخطيب أبا حنيفة برد الأحاديث ولا يذكرها، وقد اشتهر من أصول


(١) الرد على الخطيب: (٥٩).
(٢) هذا مفاد ما قاله الملك أبو المظفر في الرد على الخطيب (٦٣/ ٦٥).