للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أبي حنيفة أنه لا يقدم شيئًا على الكتاب والسنة ثم قول الصحابي وأما ما خالف من بعض الأحاديث فإنها ولا شك منسوخة أو لم تثبت عنده وثبت عنده ما يخالفها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضًا.

وأما قوله عن حديث: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" إنه رجز فكلمة إنه رجز لم تصح عن أبي حنيفة ويتهم فيها الخطيب ومن في إسناده. وهم اغتنموا فرصة عدم عمل أبي حنيفة بهذا الحديث، وإنما أبو حنيفة متأول ومستضعف أي تأول المعنى وضعف السند، أما التأويل فإنه اعتبر "البيعان" مجازيًا أي الخيار ثابت للبيعين قبل عقد الصفقة وإنما سماها في الحديث بيعين على حد تسمية العنب بالخمر أي في قوله تعالى {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}. وأما السند فإنه ضعيف من وجهة نظر أبي حنيفة ولعله لم يصل إليه بإسناد صحيح (١). وتجد فعل هذا كثير من الأئمة فضعفوا أحاديث صحيحة لأنها وصلت إليهم بإسناد ضعيف، فلم يحاسب أبو حنيفة وحده؟ ألا يعذر الإنسان في هذا؟ ألم يقل أهل العلم إن الإنسان يحاسب على حسب علمه، فالحديث إذن ضعيف عنده صحيح عند غيره. وهذا لا شيء فيه.

سادسًا: تجويزه الخروج على السلطان:

روى الخطيب بإسناد مظلم أن سفيان الثوري حكي عنه جواز الخروج على السلطان وكذلك حكي عن الأوزاعي. وقد تقدم الكلام على أسانيد هذه الأخبار، وأنها لا تصح إلى أبي حنيفة، بل العكس هو الذي صح عن أبي حنيفة فقد امتلأت كتب الحنفية بقول الإِمام أبي حنيفة: ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا علينا وندعو لهم (٢). وقال أبو حنيفة أيضًا: وإذا سمع الإمام أن قومًا يدعون إلى الخروج فعليه أن ينبذ إليهم ويمسكهم حتى يظهروا توبة، فإذا صار لهم فئة يرجعون إليهم يقتل مقاتلهم ويجهز على جريحهم ويقتل أسراهم كما يقتل الكفار فمن يكون هذا رأيه كيف يرى الخروج على الأئمة (٣).

وأشنع من هذا ينقل لنا الخطيب أن أبا يوسف يوافق على تهمة أبي حنيفة بالإرجاء والجهمية ويرى السيف. فقد روى عن محمّد بن علي بن سعيد بن سالم. أنه قال: قلت لقاضي القضاة أبي يوسف سمعت أهل خراسان يقولون إن أبا حنيفة جهمي مرجئ فقال لي: صدقوا ويرى السيف أيضًا! ! قال قلت له: وأين أنت منه؟ قال: إنما كنا نأتيه يدرسنا الفقه، ولم نكن نقلده ديننا.


(١) على أنه ورد بسند صحيح لكنه كما قلنا: إنه لم يصل إليه ذلك الإسناد والحديث عند مسلم رقم (١١٦٤) والطيالسي (١٣٣٩)، - (منحة المعبود) - أبي داود سليمان بن داود بن جارود. ط. دائرة المعارف النظامية بحيدر آباد الدكن- الهند عام (١٣٢١ هـ) - المصنف -لابن أبو شيبة عبد الله بن محمّد بن أبو شيبة الكوفي العبسي - تحقيق عبد الخالق الأفغاني - دار الفكر - بيروت (١٤٠٥ هـ). وابن أبي شعبة (٧/ ١٢٥).
(٢) شرح العقيدة الطحاوية -للإمام علي بن علي بن محمّد بن أبي العز الدمشقي، تحقيق عبد الله بن المحسن التركي وشعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة (١٤٠٨ هـ)، (١/ ١٣٧)، وانظر الرد على الخطيب (ص ٦٠).
(٣) الرد على الخطيب (ص ٦٠).