البخاري ومسلم والسنن, وغير ذلك من كتب الحفاظ. فقال له الأمير: أسألك أن تخرجه، وتعزو أحاديثه إلى هذه الكتب. فقال له قاضي القضاة: ما أتفرغ لذلك، ولكن عندي شخص من أصحابي يفعل ذلك. وتكلم معه رحمه الله في الإحسان إلى، وأمدني الأمير بكتب كثيرة "كالأطراف" للمزي، و"تهذيب الكمال" له، وغيرهما، وشرعت فيه، وكان ابتدائي فيه في سنة أربعين، وأمدني شيخنا قاضي القضاة بكتاب لطيف فيه أسماء شيوخ الطحاوي، وقال لي: يكفيك هذا من عندي، فحصل لي النفع العظيم به، ووجدت الطحاوي قد شارك مسلمًا في بعض شيوخه كيونس بن عبد الأعلى، فوقع لي في كثير من الأحاديث أن الطحاوي يروي الحديث عن يونس بن عبد الأعلى ويسوقه، ومسلم يرويه بعينه عن يونس بن عبد الأعلى بسند الطحاوي، ووالله لم أرَ في هذا الكتاب شيئًا مما ذكره البيهقي عن الطحاوي، وقد اعتنى شيخنا قاضي القضاة علاء الدين، ووضع كتابًا عظيمًا نفيسًا على "السنن الكبير" له، وبين فيه أنواعًا مما ارتكبها من ذلك النوع الذي رمى به البيهقي الطحاوي، فيذكر حديثًا لمذهبه وسنده ضعيف فيوثقه، ويذكر حديثًا على مذهبنا وفيه ذلك الرجل الذي وثقه فيضعفه، ويقع هذا في كثير من المواضع، وبين هذين العملين مقدار ورقتين أو ثلاثة، وهذا كتابه موجود بأيدي الناس، فمن شك في هذا فلينظر فيه، وكتاب شيخنا كتاب عظيم، ولو رآه من قبله من الحفاظ لسأله تقبيل لسانه الذي تفوه بهذا، كما سأل أبو سليمان الداراني أبا داود صاحبا "السنن" أن يخرج إليه لسانه حتى يقبله، انتهى ما في "الجواهر" بحذف يسير.
وهذا الكتاب الذي أشار إليه و"الجوهر النقي في الرد على سنن البيهقي، طبع أولًا وحده في دائرة المعارف حيدر آباد الدكن، ثم طبع مع "السنن الكبرى".
٢ - وذكر شيخ الإِسلام في "منهاج السنة" (٤/ ١٩٤) -وهو بصدد الطعن في حديث رجوع الشمس إلى علي، الذي صححه الإِمام الطحاوي- بأنه لم يكن معرفته بالإسناد كمعرفة أهل العلم به.
وهذا الحكم من شيخ الإِسلام تعوزه الدقة، فإنه ما من حافظ من الحفاظ ينزه عما وقع فيه الإِمام الطحاوي، وهذه مؤلفاتهم بين أيدينا، فيها أحاديث توثقوا من صحتها، وانتقدت عليهم، ولم نسمع أحدًا من أهل العلم أصدر في حقهم هذا الحكم القاسي الذي انتهى إليه شيخ الإِسلام، وكيف يتهم هذا الإِمام بأنه لا معرفة له بالإسناد كمعرفة أهل العلم، وقد وصفه الأئمة المشهود لهم ببراعة النقد بأنه حافظ للحديث، عارف بطرقه، خبير بنقده سندًا ومتنًا، مدرك للخفي من علله، بارع في الترجيح والموازنة، ونحن وإن كنا نوافقه في تضعيف هذا الحديث كما هو مبين في مكانه في هذا الكتاب فإننا لا نسلم له بهذه النتيجة التي انتهى إليها، فإن من المجانبة للصواب أن يوصف العالم بالجهل في العلم الذي يتقنه ويدريه لمجرد وقوعه في الخطأ في مسألة من مسائله. قال صاحب "أماني الأحبار" وهو ممن يزكي ابن تيمية ويعجب به: ظاهر كلام العلامة ابن تيمية على أنه حكم هذا الحكم على الإِمام