للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حبيب إليّ والحق حبيب إليّ ولا بد من تقديم محبة الحق على محبة المصنف. لأن الحق أحق أن يتبع.

ومن هنا أقول: إن أول ما يؤخذ على عبد الله رحمه الله في كتاب السنة هو إدراج الكلام في أبي حنيفة في كتاب من أهم وأول كتب العقيدة السلفية إذ من المقطوع به عقلًا أن شتم أبي حنيفة أو مدحه ليس من أمور العقيدة الأساسية في شيء.

وقد عقد عبد الله رحمه الله لهذا الموضوع بابًا بعنوان: ما حفظت عن أبي والمشايخ في أبي حنيفة من فقرة (٢٢٧ - ٤١٠).

ومن البدهيات أنه لا بد أن يكون لأبي حنيفة أخطاء كما أن لعبد الله أخطاء، ولكن لن تصل أخطاء أبي حنيفة إلى الحد الذي ذكر في بعض نصوص هذا الموضوع، والتي منها أنه ينقض عرى الإِسلام عروة عروة! ! أقول هذا ليس تبريرًا لأخطاء أبي حنيفة فله أخطاء لا نقره عليها ولكن من باب الإنصاف أن كلا له وعليه.

وقد حصرت الفقرات التي لم تصح في هذه المثالب بل غالبها مروي عن طريق مجاهيل أو ضعفاء أو مقدوح فيهم بما ذكره علماء الجرح والتعديل فوجدت عدد هذه الفقرات ٨٦ فقرة".

فذكر صفحات تلك الفقرات من كتاب "السنة ثم قال الدكتور محمد القحطاني:

"والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال، فمن باب أولى أنه إذا لم يصح سند هذه الروايات فلا يصح متنها لما سأبينه.

ومن الملاحظ في هذا الأمر أن عبد الله بن أحمد لم ينفرد بهذا الأمر في نقد أبي حنيفة، بل شاركه علماء كبار أمثال ابن حبان في المجروحين وقبله البخاري وابن قتيبة في (تأويل مختلف الحديث) وابن أبي شيبة في مصنفه وبعدهم الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد). واللالكائي في بعض فقرات كتابه (شرح أصول السنة).

وعلى النقيض من هؤلاء نجد أن هناك علماء ذكروا -فقط- محاسن أبي حنيفة ومدحه مثل المزي في تهذيبه وكذلك من كتبوا في فضائله من علماء الحنفية.

لذلك كله آثرت أن أنقل هنا ما كتبه علامة المغرب الحافظ ابن عبد البر حتى يكون مرتكزًا من المرتكزات ينبي عليها، ما بعدها لأن ابن عبد البر قد عرف بالتحقيق والإنصاف.

فقد قال رحمه الله في كتابه (جامع بيان العلم وفضله) (١) (٢/ ١٨١) ما نصه:

"أفرط أصحاب الحديث في ذم أبي حنيفة وتجاوزوا الحد في ذلك، والسبب الموجب لذلك عندهم إدخال الرأي والقياس على الآثار واعتبارهما، وأكثر أهل العلم يقولون: إذا صح الأثر بطل القياس والنظر. وكان رده لما رد من أخبار الآحاد بتأويل محتمل، وكثير منه قد تقدمه إليه غيره وتابعه عليه مثله ممن قال بالرأي وجل ما يوجد له من ذلك ما كان منه اتباعًا لأهل بلده كإبراهيم النخعي وأصحاب ابن مسعود، إلا أنه أغرق وأفرط في تنزيل النوازل هو وأصحابه والجواب فيها برأيهم واستحسانهم، فأتى منه من


(١) نحن نكرر مع كل بحث من التي سبقت في ترجمة الإمام أبي حنيفة، كلام ابن عبد البر وذلك لإنصافه وتحقيقه في كتابه هذا عن أحد أعلام الأمة وإمام مذهب الحنفية.