للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذلك خلاف كبير للسلف، وشنع هي عند مخالفيهم بدع، وما أعلم أحدًا من أهل العلم إلا وله تأويل في آية أو مذهب في سنة رد من أجل ذلك المذهب سنة أخرى بتأويل سائغ أو ادعاء نسخ إلا أن لأبي حنيفة من ذلك كثير وهو يوجد لغيره قليل". انتهى.

وقال أيضًا في نفس المصدر (٢: ١٨٣) "الذين رووا عن أبي حنيفة ووثقوه وأثنوا عليه أكثر من الذين تكلموا فيه، والذين تكلموا فيه من أهل الحديث أكثر ما عابوا عليه الإغراق في الرأي والقياس والإرجاء. وكان يقال: يستدل على نباهة الرجل من الماضين بتباين الناس فيه، قالوا: ألا ترى إلى عليّ ابن أبي طالب أنه هلك فيه فتيان: محب مفرط، ومبغض أفرط". انتهى.

لذلك أقول في هذه الفقرات ما قاله العلامة ابن عبد البر نفسه "إن جلة العلماء عند الغضب يحصل بينهم كلام أكثر من هذا، ولكن أهل الفهم والميز لا يلتفتون إلى ذلك لأنهم بشر يغضبون ويرضون والقول في الرضا غير القول في الغضب، ولقد أحسن القائل.

"لا يعرف الحلم إلا ساعة الغضب" (١).

وأما ما كانت أسانيده صحيحة أو حسنة فهي خمس وسبعون فقرة.

ويمكن تلخيص مضمونها في النقاط التالية:

١ - الإرجاء: وهذا صحيح في أبي حنيفة ولكنه إرجاء الفقهاء وليس إرجاء الفرقة المبتدعة التي تقول لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وقد ذكر أهل العلم أن إرجاء أبي حنيفة هو قوله أن الإيمان تصديق القلب وقول اللسان فقط (٢) ولم يدخل العمل في مسمى الإيمان ولا شك أن هذا خلاف مذهب السلف في أن الإيمان إقرار بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان كما هو مبسوط في كتب العقيدة فهذا مأخذ على أبي حنيفة.

٢ - الخروج على أئمة الجور وقد ثبت هذا عن أبي حنيفه وقد علقت في النص بذكر آراء العلماء في هذه القضية وأن مذهب الجمهور عدم الخروج على المسلم الجائر.

٣ - الغلو في القياس وقد عرفت كلام ابن عبد البر في هذا. ولا شك أن الغلو في القياس الذي يترتب عليه رد الآثار أمر مرفوض ولكن وصف أبي حنيفة بأنه يرد الأثر فهذا أمر فيه إجمال يحتاج إلى تفصيل فإنه مثلًا قطع يد السارق آخذًا بظاهر حديث رافع بن خديج "لا قطع في ثمر ولا أكثر" كما في فقرة (٣٨٠).

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "من ظن بأبي حنيفة أو غيره من أئمة المسلمين أنهم يتعمدون مخالفة الحديث الصحيح لقياس أو غيره فقد أخطأ عليهم وتكلم إما بظن وإما بهوى" (٣).

وتوسع ابن تيمية رحمه الله في الاعتذار للأئمة


(١) جامع بيان العلم (٢/ ١٩٠).
(٢) انظر الإيمان لابن تيمية: (ص ١٨٤)، وشرح الطحاوية: (ص ٣٠٩).
(٣) مجموع الفتاوى (٢٠/ ٣٠٤ - ٣٠٥)، وله كلام أخر في الثناء عليه في كتاب "منهاج السنة" (١/ ١٧٢) و (٤/ ١٩٤) وغيرها.