للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الحافظ يكمل من قول ابن النديم حيث قال في "الفهرست" (ص ٢٦٠): ويقال: إنه تعمل لأحمد بن طولون كتابًا فيه نكاح ملك اليمين، يرخص له في نكاح الخدم، وهذا عجيب من مثل الحافظ، فقد أسس بنيانه على رواية لم يلتفت إليها أحد غيره، ومسلمة بن قاسم هذا ضعفه الذهبي في "الميزان" ونسبه إلى المشبهة (١)، وذكر الحافظ في ترجمة مسلمة هذا: سئل القاضي محمّد بن يحيى بن مفرج عنه، فقال: لم يكن كذابًا ولكن كان ضعيف العقل. وعن عبد الله بن يوسف الأزدي -يعني ابن الفرضي- قال: كان مسلمة صاحب رأي وسر وكتاب، وحفظ عليه كلام سوء في التشبيهات، وقد ألزم مسلمة بن القاسم هذا في كتاب "الصلة" الإِمام البخاري بسرقة كتاب شيخه علي بن المديني، كما ألزم ها هنا الإِمام الطحاوي، ولكن الحافظ لم يرض بما قاله في البخاري، ورضي عنه ها هنا بما قال في الطحاوي (٢)، وابن الأحمر الذي روى عنه مسلمة بن قاسم لم يوجد في كتب الرجال فلعله مجهول (٣)، وأهل مصر الذين روى عنهم ابن الأحمر مجاهيل، وما ذكره عنهم من أمر فظيع جرح غير مفسر.

ثم ما ذكره شارحًا لكلامه -يعني من جهة أمور القضاء- فإن كان مراده أن ولي القضاء، فساء في أموره فلم يثبت أنه ولي القضاء حتى يصح رميه بأمور تتعلق بالجور في القضاء. وهو الذي حض القاضي أبا عبيد على محاسبة الأمناء، وناظره في ذلك، وإن كان مراده ما أشاع حساده من الأمناء، فأغروا به نائب هارون بين أبي الجيش حتى اعتقل أبا جعفر الطحاوي بسبب اعتبار الأوقاف، وأوقع وابن أبي عبيد القاضي, وأبي جعفر الطحاوي حتى تغير كل منهما للآخر، فالحق مع أبي جعفر الطحاوي نال ما نال من الحساد الذين تعسفون عليه بالعدالة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله يجزيه على ذلك إن شاء الله تعالى.

وأما قوله: أو من جهة ... الخ. فالقائل مجهول، ولا يكون الجرح عند أهل النقد هكذا، والظاهر أنه أخذ ذلك عن ابن النديم، فإنه أخذ كلامه


(١) لكن قال الحافظ في "اللسان" (٦/ ٣٥): ما نسبه إلى التشبيه إلا من عاداه.
(٢) فقد جاء في "تهذيب التهذيب" (٩/ ٥٤): قال مسلمة: وألف علي بن المديني كتاب "العلل"، وكان ضنينًا به فغاب يوما في بعض ضياعه، فجاء البخاري إلى بعض بنيه وراغبه بالمال على أن يرى الكتاب يومًا واحدًا، فدفعه إلى النساخ فكتبوه له ورده إليه، فلما حضر علي تكلم بشيء، فأجابه البخاري بنص كلامه مرارًا، ففهم القضية واغتم لذلك فلم يزل مغمومًا حتى مات بعد يسير، واستغنى البخاري عنه بذلك الكتاب، فتعقبه الحافظ بقوله: فإن هذه القصة التي حكاها مسلمة فيما يتعلق بالعلل لابن المديني، غنية عن الرد لظهور فسادها، وحسبك أنها بلا إسناد، وأن البخاري لما مات علي كان مقيمًا ببلاده، وأن العلل لابن المديني قد سمعها منه غير واحد غير البخاري فلو كان ضنينًا بها لم يخرجها، إلى غير ذلك من وجوه البطلان لهذه الأخلوقة، والله الموفق.
(٣) قال شعيب: بل هو معروف: واسمه محمَّد بن مُعَاوية بن عبد الرحمن الأموي الأندلسي، من أهل قرطبة، يعرف بابن الأحمر، سمع بالأندلس على كثير من الشيوخ، ثم رحل إلى المشرق سنة (٢٩٥ هـ)، فسمع بمصر ومكة وبغداد والكوفة، ودخل أرض الهند تاجرًا، وخرج منها ومعه ما قيمته ثلاثون ألف دينار، غرقت منه كلها، وقدم الأندلس سنة (٣٢٥ هـ)، وروى عن النسائي "السنن الكبرى" وحملها معه إلى الأندلس، وعنه انتشرت، قال ابن الفرضي في "تاريخ علماء الأندلس": كان شيخًا حليمًا ثقة فيما روى، صدوقًا توفي سنة (٣٥٨ هـ).