للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قال الإمام ابن عبد البر في رد تأويلهم لقوله "استوى" باستولى: "وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء وقولهم في تأويل استوى: استولى فلا معنى له، لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة، والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد وهو الواحد الصمد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته، حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا الأعلى ذلك، وإنما يوجه كلام الله -عز وجل- إلى الأشهر والأظهر من وجوهه، ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات، وجل الله -عزَّ وجلَّ- أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين" (١).

ثم ذكر معنى الاستواء في اللغة بأنه العلو والارتفاع والاستقرار وذكر الشواهد على ذلك كقوله تعالى: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} وقوله {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ}.

وكما قال الشاعر:

فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة ... وقد حلق النجم اليماني فاستوى

قال "وهذا لا يجوز أن يتأول فيه أحد: استولى، لأن النجم لا يستولى" (٢)، ثم ذكر قصة تدل على أن الاستواء بمعنى العلو وهي "ما ذكره النضر بن شميل"، وكان ثقة مأمونًا جليلًا في علم الديانة واللغة قال حدثني الخليل -وحسبك بالخليل- قال أتيت أبا ربيعة الأعرابي -وكان من أعلم من رأيت- فإذا هو على سطح فسلمنا، فرد علينا السلام، وقال لنا: استووا فبقينا متحيرين ولم ندر ما قال: قال: فقال لنا أعرابي إلى جنبه، إنه أمركم أن ترفعوا، قال الخليل هو من قول الله -عزَّ وجلَّ-: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} فصعدنا إليه" (٣).

وأما عقيدة ابن عبد البر في صفة النزول:

وقد قرر الإمام ابن عبد البر عقيدة أهل السنة في هذه الصفة ورد على من خالفها، وعلى من أول الحديث على غير ظاهره، فقال -رحمه الله-: "والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون: ينزل كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويصدقون بهذا الحديث ولا يكيفون، والقول في كيفية النزول كالقول في كيفية الاستواء والمجيء والحجة في ذلك واحدة".

وروى بسنده عن سحنون بن منصور قال قلت لأحمد بن حنبل: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا أليس نقول بهذه الأحاديث؟ ... قال أحمد: كل هذا صحيح. وقال إسحاق: كل هذا صحيح لا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي" (٤).

وروى بسنده "عن ابن وضاح سألت يحيى بن معين عن النزول؟ فقال أقر به ولا تحد فيه بقول. كل من لقيت من أهل السنة يصدق بحديث


(١) التمهيد (٧/ ١٣١).
(٢) التمهيد (٧/ ١٣٢).
(٣) التمهيد (٧/ ١٣٢).
(٤) التمهيد (٧/ ١٤٧).