للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

هذا الوصف مقرون بالإحسان المحمود وأنه من صفات الكمال، والشخص العبوس الذي لا يضحك قط هو مذموم بذلك، وقد قيل في اليوم الشديد العذاب إنه: {يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} (١).

٣ - وفي حديث ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

(إن آخر من يدخل الجنة لرجل يمشي على الصراط فينكب مرة ويمشي مرة). فذكر الحديث بطوله وقال في آخر الخبر: (فيقول ربنا تبارك وتعالى ما يضرني منك أي عبدي أيرضيك أن أعطيك من الجنة مثل الدنيا ومثلها معها. قال: فيقول أتهزأ بي وأنت رب العزة؟ قال: فضحك عبد الله حتى بدت نواجذه، ثم قال: ألا تسألوني لم ضحكت، قالوا: لم ضحكت؟ قال: لضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا تسألوني لم ضحكت؟ ، قالوا: لم ضحكت يا رسول الله؟ قال: لضحك الرب تبارك وتعالى حين قال أتهزأ بي وأنت رب العزة) (٢).

والأحاديث في ذلك كثيرة ومعلومة وقد أفرد العلماء لذكرها أبوابًا في كتبهم (٣)، والمقصود أن أهل السنة يثبتون هذه الصفة كما جاءت في النصوص على الوجه اللائق بالله تعالى.

ولكن الإمام ابن عبد البر- عفا الله عنه - قد تأولها على غير ظاهرها، وفسرها بأثرها، فقال عند كلامه على حديث: (يضحك الله -عز وجل- إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة):

"وأما قوله: يضحك الله: فمعناه يرحم الله عبده عند ذاك، ويتلقاها بالروح والراحة والرحمة والرأفة وهذا مجاز مفهوم".

ثم قال: "وقد قال الله -عزَّ وجلَّ- في السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ}، وقال في المجرمين: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ}.

وأهل العلم يكرهون الخوض في مثل هذا وشبهه من التشبيه كله في الرضى والغضب، وما كان مثله من صفات المخلوقين" (٤).

وبهذا نعلم أن ابن عبد البر ألحق بالضحك ما يماثله من الصفات الفعلية كالرضى والغضب فأولها لتوهمه أنها مثل صفات المخلوقين وأن في إثباتها لله تعالى تشبيهًا وتمثيلًا.

ولا شك أن ابن عبد البر -رحمه الله- قد خالف الصواب في ذلك لشبهة عرضت له كما عرضت لمن قبله.

ذلك أنهم فسروا هذه الصفات وشبهها بما هو معروف من صفات المخلوقين، ثم نفوا الصفة عن الله تعالى لاعتقادهم وتوهمهم أن في إثباتها لله تشبيهًا له بخلقه.

فقد فسروا الضحك بأنه خفة الروح، وفسروا الغضب بأنه غليان دم القلب لطلب الانتقام، كما فسروا التعجب بأنه استعظام للمتعجب منه، ونحو ذلك.


(١) الفتاوى (٦/ ١٢١).
(٢) رواه ابن خزيمة في التوحيد (ص ١٥٠)، ورواه بنحوه مسلم في (كتاب الإيمان) رقم (٣١٠)، (١/ ١٧٤)، وأحمد (١/ ٣٩٢).
(٣) التوحيد لابن خزيمة (ص ١٥٠).
(٤) التمهيد (١٨/ ٣٤٥).