للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ويرد عليهم بأن القول بأن الضحك خفة الروح ليس بصحيح وإن كان ذلك قد يقارنه.

وكذلك قول القائل الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام، ليس بصحيح في حقنا بل الغضب قد يكون لدفع المنافي قبل وجوده فلا يكون هناك انتقام أصلًا.

وأيضًا فغليان دم القلب يقارنه الغضب، ليس مجرد الغضب هو غليان دم القلب، كما أن الحياء يقارن حمرة الوجه، والوجل يقارن صفرة الوجه، لا أنه هو.

ومثل ذلك القول بأن التعجب استعظام للمتعجب منه. فيقال نعم. وقد يكون مقرونًا بجهل بسبب التعجب، وقد يكون لما خرج عن نظائره.

ثم إننا نقول: هبوا أن معنى هذه الصفات هو ما ذكرتموه. فإن هذا إنما يصح في حق المخلوقين، أما ضحك الله تعالى وعجبه ورضاه وغضبه وغير ذلك من صفاته فلا تشبه صفاته صفات المخلوقين، كما أن ذاته لا تشبه ذوات المخلوقين (١).

أما تفسير الضحك بالرحمة فهو تفسير للشيء ببعض أثره، أما الرحمة فهي غير الضحك كما هو ظاهر.

قال الدارمي -رحمه الله- في رده على المريسي:

"وأما قولك إن ضحكه: رضاه ورحمته، فقد صدقت في بعض؛ لأنه لا يضحك لأحد إلا عن رضي فيجتمع منه الضحك والرضا ولا يصرفه إلا عن عدو، وأنت تنفي الضحك عن الله وتثبت له الرضا وحده .. " (٢).

فالواجب إثبات هذه الصفات ونحوها على الوجه اللائق بالله تعالى، من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تشبيه ولا تمثيل.

٢ - المكر والكيد والاستهزاء ونحوها:

يؤمن أهل السنة والجماعة أن الله تعالى له الصفات العليا وأن صفاته كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه.

وأن من صفاته ما يطلق عليه ابتداء كالسمع والبصر والعلم ونحو ذلك.

ومنها ما لا يوصف به إلا على جهة الجزاء وذلك كصفة المكر والكيد والاستهزاء ونحوها، فهذه الصفات إنما أتت مقابلة ومجازاة، والله تعالى لم يصف نفسه بها بإطلاق، ولا ذلك داخل في أسمائه الحسنى، ولهذا غلط من عد من أسمائه الماكر والمخادع والمستهزئ والكائد ...

لأن هذه الأفعال ليست ممدوحة مطلقًا بل تمدح في موضع، وتذم في موضع، فما كان منها متضمنًا للكذب والظلم فهو مذموم وما كان منها محق وعدل ومجازاة على القبيح فهو حسن محمود.

والمقصود أن الله سبحانه لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق وقد علم أن المجازاة على ذلك


(١) انظر هذه الشبه وردها في مجموع الفتاوى (٦/ ١١٩).
(٢) رد الدارمي على المريسي (صفحة ٥٣٢) ضمن عقائد السلف.