وسئل مالك بن أنس كيف استوى فقال: الكيف مجهول والاستواء معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وسئل الأوزاعي عن قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فقال: هو على العرش كما وصف نفسه وإني لأراك رجلًا ضالًا.
التعليق:
وهذه العبارات هي التي نقلها ابن عطية والقرطبي في تفسيريهما وكلها تأويل مذموم.
٣ - صفة المجيء والإتيان (٢/ ٨): "قال عند قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} ـ
قال في معرض تفسير الآية: اختلف الناس في ذلك، فقال بعضهم: (في) بمعنى الباء، وتعاقب حروف الصفات سائغ مشهور في كلام العرب، تقدير الآية، إلا أن يأتيهم الله بظلل من الغمام وبالملائكة، أو مع الملائكة، وعلى هذا التأويل زال الإشكال، وسهل الأمر.
وأجرى الباقون الآية على ظاهرها، ثم اختلفوا في تأويلها، ففسرها قوم على الإتيان الذي هو الانتقال من مكان إلى مكان، وأدخلوا فيه بلا كيف، واتبعوا فيه ظواهر أخبار وردت لم يعرفوا تأويلها.
قلت: وهذا غير مرضي من القول، لأنه إثبات المكان لله تعالى، وإذا كان متمكنًا، وجب أن يكون محدودًا متناهيًا ومحتاجًا فقيرًا، وتعالى الله عزَّ وجلَّ عن ذلك علوًا كبيرًا.
قال بعض المحققين الموفقين أظنه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: من زعم أن الله في شيء أو من شيء، أو على شيء، فقد ألحد، لأنه لو كان من شيء لكان محدثًا، ولو كان في شيء لكان محصورًا، ولو كان على شيء لكان محمولًا.
وسكت قوم عن الخوض في معنى الإتيان فقالوا: نؤمن بظاهره ونقف عن تفسيره، لأنا قد نهينا أن نقول في كتاب الله ما لا نعلم، ولم ينبهنا الله تعالى ولا نبهنا رسوله على حقيقة معناه.
قال الكلبي: هذا من المكتوم الذي لا يفسر، وكان مالك والأوزاعي وأحمد، وإسحاق، وجماعة من المشايخ يقولون فيه وفي أمثاله: أمروها كما جاءت بلا كيف، وزعم قوم أن في الآية إضمارًا واختصارًا، تقديره إلا أن يأتيهم أمر الله وهو الحساب والعذاب، يدل عليه قوله تعالى {وَقُضِيَ الْأَمْر} أي وجب العذاب، وفرغ من الحساب.
قالوا: وهذا كقوله {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} والعرب تقول: قطع الوالي اللص وضربه، وإنما فعل ذلك أعوانه بأمره، ويقال: خشينا أن يأتينا بنو أمية أي حكمهم، وعلى هذا يحمل قوله تعالى {وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} لأنه سبحانه لم يرم، ولم يل ذلك، وهذا معنى قول الحسن البصري.
وقالت طائفة من أهل الحقائق إن الله عزَّ وجلَّ يحدث فعلًا يسميه إتيانًا، كما أحدث فعلًا سماه نزولًا، وأفعاله بلا آلة ولا علة.
قلت: ويحتمل أن يكون معنى الإتيان ها هنا راجعًا إلى الجزاء، فسمى الجزاء إتيانًا، كما سمى التخريب والتعذيب في قصة ثمود إتيانًا.
قال عزَّ وجلَّ: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ