مِنْ حَيثُ لَا يَشْعُرُونَ}.
وقال في قصة بني النضير {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}. وقال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِثْقَال حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَينَا بِهَا} وإنما احتمل الإتيان هذه المعاني لأن أصل الإتيان عند أهل اللسان هو القصد إلى الشيء، فمعنى الآية هل ينظرون إلا أن يظهر الله عزَّ وجلَّ فعلًا من أفعاله على خلق من خلقه، فيقصد إلى مجازاتهم ويقضي في أمرهم ما هو قاض، ويجازيهم على فعلهم، ويمضي فيهم ما أراد يدل عليه ما أخبرني الحسين بن محمّد بن الحسين الثقفي قال: حدثنا عصمة بن محمّد قال: حدثنا موسى بن عقبة، عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إذا كان يوم القيامة يأتي الله عزَّ وجلَّ في ظلل من الغمام والملائكة، فيتكلم بكلام طلق ذلق فيقول: أنصتوا فطالما أنصت لكم منذ خلقتكم، أرى أعمالكم، وأسمع أقوالكم، وإنما هي صحائفكم تقرأ عليكم، فمن وجد خيرًا فليحمد الله سبحانه، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
وقال عند قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}. قال الحسن: أمره، وقضاؤه، وقال أهل الإشارة: ظهرت قدرة ربك وقد استوت الأمور، وأن الحق لا يوصف بتحويل من مكان إلى مكان، وأنى له التحويل والتنقل، ولا مكان له ولا أوان، ولا يجري عليه وقت ولا زمان، لأن في جريان الوقت على الشيء فوت الأوقات، ومن فاته شيء فهو عاجز والحق منزه أن تحوي صفاته الطبائع أو تحيط به الصدور.
التعليق:
وواضح أن النص للفقه والاستنباط كالأساس للبيت والبناء (فأين الرواية والسند وبين المفسر وبين الحسن خرق القتاد غفر الله له هذه الكبوة وتلك الزلة).
٤ - تفسير الكرسي (٢/ ١٠): "قال عند قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}.
أي الملك وأحاط به، واختلفوا في الكرسي، فقال ابن عباس، وسعيد ابن جبير، ومجاهد، كرسيه علمه، ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب كراسة، ومنه قول الراجز في صفة قانص:
.. حتى إذا ما جاءها تكرسها ..
يعني علم. ويقال للعلماء الكراسي قال الشاعر:
تحف بهم بيض الوجوه وعصبة ... كراسي بالأحداث حين تنوب
أي علمًا بها.
وقال بعضهم: كرسيه، سلطانه، وملكه، وقدرته، والعرب تسمي الملك القديم كرسيًا. وتسمى أصل كل شيء الكرسي يقال: فلان كريم الكرسي أي الأصل: قال العجاج:
قد علم القدوس مولى القدس ... أن أبا العباس أولى نفس
في معدن الملك القديم الكرس
ورأيت في بعض التفاسير كرسيه سره وأنشدوا فيه:
ما لي بأمرك من سر أكاتمه ... ولا بكرسي علم الله مخلوق