وصفاته وأفعاله وحكمته، ومعرفة معنى النبوة والنبي، ومعنى الوحي والملائكة والشياطين، ومعرفة الجنة والنار وعذاب القبر والصراط والميزان والحساب، ومعنى لقاء الله والنظر إلى وجهه الكريم، ومعنى القرب منه والنزول في جواره، إلى غير ذلك من الأحوال، بأن يرتفع الغطاء ويتضح جلية الحق اتضاحًا يجري مجرى العيان الذي لا يشك فيه، وهذا ممكن في جوهر الإنسان، وإنما يشغل عنه كدر قاذورات الدنيا، فهذا صقل القلب عنها يتجلى له تلك العلوم بلا شك، ويتلألأ فيه أنوار تلك الحقائق لا محالة، وهذه العلوم لا تسطر في الكتب، ولا يتحدث بها إلا عن يعرفها، فلا تحقروا عالمًا آتاه لله علمًا، فإن الله عَزَّ وَجَلَّ آتاه إياه.
قال بعض العارفين: عن لم يكن له نصيب من هذا العلم -يعني علم المكاشفة- أخاف عليه سوء الخاتمة، وأدنى النصيب منه التصديق به وتسليمه لأهله، وقال آخر: من كان فيه خصلتان لم يفتح له بشيء عن هذا العلم، وهما: البدعة والكبر، وقيل: عن كان محبًا للدنيا ومصرًا على هوى لم يتحقق به، وقد يتحقق بسائر العلوم، وأقل عقوبة عن ينكره أن لا يرزق منه شيئًا، وهو علم الصديقين والمقربين".
وفي (٣/ ٢٤) حول قواعد العقائد: "وهي أصل الأصول ومبنى الإسلام ومقدمة جميع الأحكام، ومبناها تصحيح كلمتي الشهادة وتفصيلهما، ويرجع إلى معرفة المبدأ والمعاد.
ولما كان تفصيلها خارجًا عن طرق هذا الكتاب، وصارت كتب السلف مشحونة بها، ضربنا عن ذلك صفحًا والله الموفق.
وإجمال هذا الكلام أن هذا الركن من الإِسلام على أربعة أركان، كل ركان عشرة أصول.
الركن الأول: معرفة الله عَزَّ وَجَلَّ، ومداره على عشرة أصول؛ وهي العلم بوجود الله تعالى وقدمه وبقائه، وأنه ليس بحوهر ولا جسم ولا عرض، وأنه ليس مختصًا بحهة.
الركن الثاني: في صفاته، وهي أيضًا عشرة أصول، وهي: العلم بكونه حيًّا عالمًا قادرًا مريدًا سميعًا بصيرًا متكلمًا، متنزهًا عن حلول الحوادث، وأنه قديم الكلام والعلم والإرادة.
الركن الثالث: في أفعال الله تعالى ومداره أيضًا على عشرة أصول؛ وهي: أن أفعاله مخلوقة له تعالى، وأنها مكتسبة للعباد، وأنها مرادة لله تعالى، وأنه متفضل بالخلق، وأنه له تعالى تكليف ما لا يطاق، وله إيهام البري، ولا يجب عليه رعاية الأصلح، وأنه لا واجب إلا بالشرع، وأن بعثة الأنبياء جائزة، وأن نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ثابتة لا مؤيدة بالمعجزات.
الركن الرابع: في السمعيات ومداره أيضًا على عشرة أصول؛ وهي: إثبات الحشر وعذاب القبر وسؤال منكر ونكير والميزان والصراط وخلق الجنة والنار وأحكام الإمامة.
وإذا عرفت هذا الإجمال فاطلب تفاصيلها من كتب القوم. والغرض بيان عقيدة أهل السنة، وأنهم بأي عقيدة يمتازون عما عداهم من أهل البدع والأهواء. نسأل الله كمال اليقين والثبات في الدين، لنا ولكافة المسلمين، والله تعالى يسددنا بتوفيقه، ويهدينا إلى الحق وتحقيقه، بمنه وسعة جوده" أ. هـ