والتباكي والتحازن عليه, -كما فعله داود عليه السلام- فمحمود، حتى كانت الجنائز تحمل من مجلس نياحته - عليه السلام -، ولهذا لم يحرم البكاء والتباكي على الذنوب من الوعاظ وأرباب التذكير.
الخامس: السماع في أوقات السرور تأكيدًا له وتهييجًا له، وهو مباح إن كان السرور مباحًا: كالغناء في أيام العيد والعرس وقدوم الغائب وولادة الولد والوليمة والعقيقة وعند الختان وحفظ القرآن، إذ كان ما جاز السرور به جاز إثارة السرور فيه، ويدل على جوازه إنشادهم بالدف والألحان عند قدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ... وجب الشكر علينا، ما دعا لله داع
وقوله - صلى الله عليه وسلم - عند منع أبي بكر جاريتين تدففان وتضربان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد.
وكذا نظر عائشة إلى الحبشة يلعبون في المسجد، والنبي - صلى الله عليه وسلم - عندها يسترها بردائه وغير ذلك، فهذه المقاييس والنصوص تدل على إباحة الغناء والرقص والضرب بالدف واللعب في أوقات السرور كلها قياسًا على يوم العيد مما يجوز الفرح به شرعًا. ومنه: الفرح بزيارة الإخوان ولقائهم واجتماعهم على طعام أو كلام، فهو أيضًا مظنة السماع.
السادس: سماع العشاق تحريكًا للشوق وتهييجًا للعشق وتسلية للنفس، فإن كان في مشاهدة المعشوق فالغرض تأكيد اللذة، وإن كان مع بالمعرفة لا يعرف غير الله، إذ ليس في الوجود تحقيقًا إلا الله وأفعاله، فكانت محبته مقصورة على الله غير مجاوزة إلى سواه، فكان اسم العشق على حب غيره مجازًا محضًا لا حقيقة له.
نعم إن الناقص القريب في نقصانه من البهيمة قد لا يدرك لفظة العشق إلا طلب الوصال، الذي هو عبارة عندهم عن تماس ظواهر الأجسام وقضاء شهوة الوقاع، فمثل هذا الحمار ينبغي أن لا يستعمل معه لفظ العشق والوصال والأنس، إذ الأفهام الفاسدة السقيمة لا تدرك من الألفاظ إلا ما يلائم طباعها، فاستعمل معه ما يوافق طبعه من لفظ الكمال والتلذذ كمعرفته وأمثال ذلك".
وقال في السماع المحرم (٣/ ٢٩٢): "في مواضع حرمة السماع وأنها خمس عوارض.
الأولى: السماع من المحرم النظر إليها والأمرد، فيحرم السماع لا لنفسها بل لمجاورها.
والثانية: في الآلة، بأن تكون من شعائر الشرب أو المخنثين: كالمزامير والأوتار وطبل الكوبة، وما عدا ذلك يبقى على الإباحة: كالدف وإن كان معه الجلاجل، وكالطبل والشاهين والضرب بالقضيب وسائر الآلات.
الثالثة: في نظم الصوت وهو الشعر؛ فإن كان من الخنا والفحش واللذة والهجو فسماع ذلك حرام بألحان وغير ألحان، والمستمع شريك القائل، وكذلك ما فيه وصف امرأة بعينها. وأما هجاء الكفار وأهل البدعة فذلك جائز، وقد فعله حسان في مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأما التشبيب وهو: النشيد بوصف الخدود والقدود والأصداع وسائر أوصاف النساء ففيه