للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَينَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} الآية.

وقوله: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} الآية [آل عمران: ١٧٨].

قال: فهذا وما أشبهه من استهزاء الله تعالى ذكره، وسخريته، ومكره، وخديعته، للمنافقين وأهل الشرك به عند قائل هذا القول، ومتأولي هذا التأويل قال: وقال آخرون: فالاستهزاء بهم توبيخه إياهم، ولومه لهم على ما ركبوا من معاصيه والكفر به. قال: هذا وأمثاله على سبيل الجواب، كقول الرجل لمن يخدعه إذا ظفر به، أنا الذي خدعتك، ولم يكن منه خديعة ولكن قال ذلك إذا صار الأمر إليه قالوا: وكذلك قوله تعالى: ومكروا {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: ٥٤] و {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} على الجواب والله لا يكون منه المكر ولا الهزء.

والمعنى أن النكر والهزء حاق بهم، وقال آخرون قوله تعالى {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (*) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}. وقوله: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وما أشبه ذلك، إخبار من الله تعالى أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء ومعاقبهم عقوبة الخداع، فأخرج خبره عن جزائه إياهم، وعقابه لهم، مخرج خبره عن فعلهم الذي عليه استحقوا العقاب في اللفظ، وإن اختلف المعنيان، كما قال نعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ} فالأول ظلم، والثاني عدل، فهما وإن اتفق لفظهما، فقد اختلف معناهما، قال: وإلى هذا المعنى وجهوا كل ما في القرآن من نظائر ذلك، قال: وقال آخرون إن معنى ذلك، أن الله أخبر عن المنافقين أنهم إذا خلوا إلى مردتهم قالوا إنا معكم على دينكم في تكذيب محمّد - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به وإنما نحن بما نظهر لهم من قولنا لهم مستهزئون، فأخبر تعالى أنه يستهزى بهم، فيظهر لهم من أحكامه في الدنيا يعني من عصمة دمائهم وأموالهم، خلاف الذي لهم عنده في الآخرة، يعني من العقاب والنكال.

ثم شرع ابن جرير يوجه هذا القول وينصره، لأن المكر، والخداع، والسخرية، على وجه اللعب والعبث، منتف عن الله عزَّ وجلَّ بالإجماع، وأما على وجه الانتقام والمقابلة بالعدل والمجازاة، فلا يمتنع ذلك، قال: وبنحو ما قلنا فيه، روى الخبر عن ابن عباس، وحدثنا أبو كريب، حدثنا أبو عثمان، حدثنا بشر عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} قال: يسخر بهم للنقمة منهم (١) ".

٢ - صفة الحياة: "قال عند قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً} الآية. ومعنى الآية، أنه تعالى أخبر أنه لا يستحيي، أي لا يستنكف. وقيل لا يخشى أن يضرب مثلًا ما أيّ مثل كان، بأي شيء كان صغيرًا كان أو كبيرًا (٢).


(١) تفسير ابن كثير (١/ ٥١).
(٢) المصدر نفسه (١/ ٦٤).